الدراما السورية على قائمة التغيير
• بشير – حماه
دأب نظام الأسد على إبعاد المواطن السوري وبخاصّة الشباب الطّامح عن ركب التغيير على شتّى الأصعدة واجتهد في ذلك أيما اجتهاد، فلم يكتف بالنأي بالشباب عن الطرق السليمة السويّة لإعمار الأرض بل صرفهم عن كنه المعتقدات وجوهرها إلى الاهتمام بقشور تعطّل العقل وتبلّده وتخدّر الشباب المندفع وتجمد كل ما هو حيوي في فكره وأدائه.
البوابة التي أطلّ منها النّظام هذه المرة كانت بوابة الإعلام.. الإعلام الذي طالما خجلنا أمام الآخرين من انتمائنا له أو انتمائه إلينا كسوريين، الإعلام الذي لم يرقَ إلى مستوى أي إعلام عربي آخر ولم يفلح في مواكبة التطور الإعلامي الذي أدركته المؤسسات الإعلامية في الدول المجاورة على الأقل; وكيف يفعل وهو ناطق باسم نظام يخضع بكليته إلى أجهزة أمنية تتدخل حتى بحليب الرضّع؟!
الدّراما السوريّة -والحق يقال- فرضت نفسها بقوّة على السّاحة الإعلاميّة العربية، والأمر يعود طبعًا إلى تبنّي شركات إنتاج كبيرة لتلك الأعمال وتوزيعها ضمن خطة تسويقية محكمة لا يعود الفضل فيها إلى المؤسسة الإعلامية السورية بكل تأكيد! لكني أود تسليط الضوء هنا على سياسة الدس وتمرير الأفكار التي اتبعها النظام عبر تدخله الرقابي في إنتاج الدراما لتغيير العادات والقناعات والمفاهيم العامة لدى الشارع السوري لا سيما على الصعيد الاجتماعي، كأن يقدّم -مثلًا- الأختين المحجبة والسيفور على نقيض اجتماعيّ واضح، يظهر الأولى الخادمة، الجاهلة المهملة لثقافتها والتي لا تصلح إلا للجلوس في البيت والعمل كمكنسة كهربائية أو كآلة جلي وشطف!!.. بينما يظهر الثانية المتعلمة المثقفة صاحبة المكانة الاجتماعية والعلمية التي تثير اهتمام الأهل والمجتمع!.
المتدين في الدراما السورية هو الذي تظهر منه دومًا أساليب اللف والدوران، والنصب والاحتيال وهو دومًا إما يتستّر بالدين لتمرير مآربه على المجتمع وتلفيق حججه على الناس، أو يُصوّر على أنّه «درويش» يسخر منه الغادي والآتي، ويكون بسبحته ولباسه المبتذل «وكاسة الشاي» محط العطف والشفقة والإحسان من الآخرين، هذا إن لم يُصوّر على أنّه مجنون الحارة المتمسّك بالمسجد!
بينما يصور من جهة أخرى الإنسان القوي اجتماعيًا والغني ماديًا صاحب النفوذ والعز والجاه، على أنه إنسان ليس للدين وجود في حياته، لكن أسلوبه لبق، حياته تتسم بطابع «الاتيكيت» رفقته حسنة، يحترمه الناس ويجلّونه وينشدون رضاه أينما حل! وبذلك يستقر في ذهن المشاهد بأن للدين أثرًا سلبيًا على الفرد والمجتمع بناءً على الصور السابقة!
الدراما السورية قدمت في السنوات الأخيرة الكثير من المفاسد وروّجت لها بشكل غير مباشر -ومباشر أحيانًا- كالتدخين وتناول المشروبات الروحية وارتياد النوادي الليلية وغير ذلك من خلال ربط هذه الممارسات والعادات بشخصيات ذات دور إيجابي في المجتمع (شاعر، فنان تشكيلي، فيلسوف كبير…الخ)، كما أنها مررت العديد من الأخلاق والممارسات السيئة إلى عقول الشباب والناشئة من خلال مسلسلات عالجت قضايا طلاب المدارس والجامعات بطرق هزلية زرعت من خلالها قيمًا فاسدة في عقولهم، كتعليمهم أساليب الغش في الامتحانات واللف والدوران على المدرسين، والكذب على الأهل للهروب من مأزق ما… الخ، ناهيك عن تشويه الصورة المثالية للطالب الجاد صاحب المبادئ وتقديمه على أنه انطوائي وسلبي اجتماعيًا.. ومن جهة أخرى تجميل صور الفاشلين دراسيًا وتسليط الضوء على نجاحاتهم الاجتماعية (أحد تلك النجاحات القدرة على بناء علاقة مع عشرين طالبة في آن واحد!!)
إن لم يكن هذا كله دسٌ متعمد بغية قلب المفاهيم وتخريب الآداب الاجتماعية العامة من قبل النظام، فهو على الأقل مر من بين يدي مؤسساته الرقابية برضًا كامل ومباركة شديدة، بينما وقفت الأعمال التي تحمل مضامين إصلاحية وبناءة عند قوانين ما أنزل الله بها من سلطان لتحظى أخيرًا بالمنع والإبعاد، أو التغيير والتحريف!
هنا لابدّ من موقف مسئول من فنّاني الثّورة وشبابها للتخطيط ووضع النقاط الأساسية لنمط إعلام جديد، إعلام يكون له دور ريادي في تصحيح المفاهيم التي شُوهت وعرض الأفكار النهضوية التي حُرمّت وتحريض المشاهد على التفكير والتخطيط والفعل والمشاركة الفاعلة في كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وإدارة سوريا الجديدة على كل المستويات.
أليست هذه هي الثورة يا أصدقاء ؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :