بين القتل وامتهان الكرامة الإنسانية
عماد العبار
لا يخفى على أي متابع ومعايش للثورة السورية أن النظام اختار خيار القتل منذ اللحظة الأولى وسيستمر في خياره الجنوني هذا حتى النهاية؛ ومن الواضح أيضًا أن الثوار وجدوا أن الاستمرار بالنضال المدني السلمي يعني حفر قبورهم جميعًا، وهذا ما يصرّح به كل من لجأ لخيار الرد المسلح، مما دفع غالبية الثوار لحمل السلاح الذي وجدوا فيه الحل الوحيد لحماية أنفسهم والناس (بدليل الانخفاض الواضح في عدد القبور والشهداء في كل منطقة رفعت سلاحًا!).
وبناءً على هذه المعطيات التي بين أيدينا، نستطيع أن نقول أن القتل سيستمر ويتصاعد حتى النهاية، وبما أنه ليس من القتل مفر، هل أستطيع أن أطلب من السوريين أن يقتلوا بعضهم البعض بقليلٍ من الصمت؟!، أو قليلٍ من أقصى درجات التخوين والتكفير ونزع إنسانية كل طرف من الآخر قبل أو بعد أن يرديه قتيلاً! . هل أُكثر من الطلبات حين أطلب من شخص أن يترك المقتول جثة هامدة، أو أن يلقيه في حاوية الزبالة دون تشويه وتمثيل؟!. هل أبالغ في وقاحتي إن طلبت بعض الكرامة لقتيل هنا، فأطلب مجرد قتله دون أن يقوم قاتله بمسخه أمام التاريخ، وتصويره عميلاً لحمد وبندر والموساد؟، وأطلب بعض الاعتبار لقتيلٍ هناك، فأطلب من قاتله مجرد قتله هو الآخر، دون مسخه على هيئة عميلٍ للمجوسية والصهيونية العالمية؟، أعرف أنني أطلب أشياء شبه مستحيلة في هذا الوقت الحساس من التاريخ البشري المنهمك في الصراع من أجل البقاء، فالقتل وحده لا يكفي على ما يبدو للانتقام والثأر، إن لم تتبعه كل عمليات سحق الكرامة واستحضار كل شياطين الإنس والجان، مع نكأ كل ما يحمله وعينا من صراعات بني الانسان عبر التاريخ أثناء عملية تصوير القتل والتمثيل.
شكرًا لك عزيزي الجلاد ولكن أرجو أن لا تسيء فهم طلبي هذا، هل من الممكن أن تحرق الأطباء بعد قتلهم عوضًا عن حرقهم أحياء، أعرف أن عندك أزمات كبرى، وأنك تريد أن تثبت للناس أنك قادر على إحراق كل شيء، ونحن صدقناك وعلمنا قدرتك على فعل ذلك، وأيقنا أنك لا تتحلى بأي رادع، فتوقف عن حرق الناس وهم أحياء، واحفظ بعض الكرامة للموتى، ولا أظنني سأطلب منك إلا التحلي ببعض قيم الطغاة عبر التاريخ، ولن أحمّلك مالا طاقة لك به صدقني! ..
عزيزي الثائر، أعرف أنه لا يحق لي أن أكلمك أساساً فأنا لم استشهد بعد في بابا عمرو تحديدًا، ولكن لي طلب أخوي وأرجو أن لا تسيء فهمي أنت أيضًا!، هل من الممكن أن لا ترمي العوايني من الطابق الرابع، أو أن لا تسحله أمام أهله (وهم جيرانك) في الشوارع؟ أعرف أنك تعاني من نقص في الذخيرة أحيانًا، لكن ربما تنتظر قليلاً الى أن يأتيك الإمداد .. وإن الله مع الصابرين يا صديقي !..
سوريا اليوم لم تعد تكترث لا لسلمية الثورة (التي أضحت على وشك الانقراض)، ولا لعسكرة الثورة (التي كانت رذيلةً في الأمس وأصبحت وثناً اليوم!). سوريا فقط تبحث عن القتل الرحيم لأبنائها .. بدون (مرمطة) كرامة .. بدون سحق لما تبقى من أخلاقنا الإنسانية بعد إزهاق الروح .. فهل من مجيب ؟!
الجواب سيكون: طلقة !..
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :