د. أكرم خولاني
نشاهد أحيانًا عند بعض الأطفال وجود انتفاخات على الجلد بشكل تورم مزرق أو بشكل حبة الفريز الناضجة، وهي ما تسمى بالوحمات، وتكون عبارة عن عيوب وعائية تتظاهر بعدة أشكال.
وتقسم هذه العيوب إلى قسمين: الأول تشوهات وعائية خلقية تظهر منذ الولادة وتستمر مدى الحياة، والثاني أورام وعائية حميدة قد تظهر منذ الولادة أو في مرحلة الطفولة وتتلاشى بنفسها مع الوقت، وهي ما سنسلط عليه الضوء في مقالنا هذا.
الورم الوعائي الدموي
هو أحد الأورام الحميدة التي تتكون من خلايا وعائية سريعة الانقسام تؤدي إلى نمو متزايد وغير طبيعي للأوعية الدموية مشكِّلة مجموعة كثيفة من الأوعية الدموية، وعادة ما يظهر هذا الورم عند حديث الولادة أو خلال الأسابيع الأولى من الحياة.
توجد الأورام الوعائية الدموية على شكلين، شكل سطحي يظهر على الجلد، والآخر داخلي في الأعضاء الداخلية مثل الكبد والحنجرة والأمعاء الدقيقة أو الغليظة، وفي بعض الحالات يوجد الشكلان في آن واحد.
وقد يكون الورم الوعائي وحيدًا أو متعددًا، ففي 80% من الحالات يكون الورم في موقع واحد في الجسم، وفي 20% من الحالات تظهر الأورام في عدة مواقع، والنسبة الأكبر من الحالات تصيب الوجه والرقبة والصدر والظهر، والتي تليها تحدث في الكبد.
الأورام الوعائية تكون أكثر شيوعًا عند الإناث، إذ تصاب 3-5 مرات أكثر من الذكور، وتزداد نسبة الإصابة في حالات حمل التوأم وعند الخدج الذين يزنون أقل من كيلوغرام عند الولادة.
ما أسباب حدوث الورم الوعائي الدموي؟
ما زالت الأسباب التي قد تؤدي للإصابة غير معروفة حتى الآن، لكن هناك عوامل قد يكون لها صلة بزيادة نسبة حدوث الإصابة:
- بعض البروتينات التي تنتجها المشيمة.
- العلاج الهرموني عند التخطيط للحمل.
- استخدام بعض الأدوية أثناء الحمل.
- الإصابة ببعض الأمراض الفيروسية.
ما أنواع الأورام الوعائية الدموية؟
هناك نوعان رئيسيان للأورام الوعائية الدموية، الشُعَيريّة والكَهفيّة، وهناك أنواع أخرى لكنها نادرة جدًا:
- الأورام الشعيرية (الشامات الوعائية السطحية) تؤثر على الأوعية الدموية في الطبقات العليا من الجلد، وتعرف بالورم الوعائي الشبيه بالفراولة، عادة تشفى عفويًا لذلك تكون الحاجة إلى العلاج نادرة، وذلك إذا نمت الوحمة على العين أو الأنف أو الفم، ما يمكن أن يعيق تطور الرؤية أو يسبب مشاكل تنفسية أو مشاكل بالتغذية، أو إذا كانت هناك وحمة باقية أو ندبة فيمكن التدخل لتحسين المظهر عندما يصبح الطفل أكبر سنًا.
- الأورام الكهفية (الشامات الوعائية تحت الجلدية) يسببها نمو مفرط للأوعية الدموية العميقة في الأدمة ونسيج تحت الجلد، فتبدو بمظهر متورم مزرق اللون.
في بعض الحالات قد يوجد كلا نوعي الأورام الوعائية الدموية معًا في شخص ما.
كيف يتطور الورم الوعائي الدموي؟
تظهر الأورام الوعائية عند حديثي الولادة أو خلال الأسابيع الأولى من الحياة.
وفي المراحل الأولى يظهر الورم على الجلد كمنطقة حمراء مزرقة تصاحبها أوعية دموية واضحة ويعتريها الشحوب، أو كبقعة حمراء أو زهرية مسطحة، ثم تخضع لطور من توسع الشعريات الدموية السريع خلال الأشهر 6-8 الأولى من الحياة لتصبح البقعة الحمراء إسفنجية الشكل وبارزة، وعادة يكتمل نموها بحلول عمر الاثني عشر شهرًا، ثم تحدث فترة ثبات.
وأخيرًا يبدأ طور الارتداد العفوي والتلاشي، فيبدأ اللون القرمزي بالذبول إلى لون أرجواني باهت، وتظهر بقع بيضاء أو رمادية شاحبة ضمن الآفة، وهي دلالة التليف، ويبدأ الجلد بالشحوب، لتختفي50% منها كليًا بعمر الخامسة، و70% منها بعمر السابعة، والنسبة المتبقية بعمر الاثنتي عشرة سنة.
وبعد ضمور الورم فإن 10% من الأطفال المصابين يبقى لديهم في الجلد بعض العيوب التجميلية كعلامات توسع أوعية شعرية مع مظهر جلد رخو مثل القماش المجعد مع بقع فاقدة المرونة وندبات.
عادة ما يكون سير آفة ما غير متوقع، فلا يتعلق معدل التراجع في ورم وعائي معين بجنس معين، أو حجم الورم، أو الموقع، أو المظهر.
ما المضاعفات المحتملة للإصابة؟
أغلب الأورام الوعائية الدموية لا تسبب مضاعفات، لكن في 5% من الحالات يحدث تقرح في الجلد وخاصة في الأورام في منطقة الشفة أو الشرج، وهذا قد يسبب تشوه النسج المصابة، وفي حالات نادرة إذا كانت تلك التقرحات عميقة قد تسبب نزيفًا حادًا وتكون مؤلمة.
ومن المضاعفات الأخرى الخطيرة حدوث انسداد أعضاء حيوية مثل العين مما يحجب الرؤية، أو انسداد الطرق التنفسية تحت لسان المزمار مما يؤثر على التنفس، وفي حالات الأورام الوجيهة الكبيرة قد تؤدي إلى تشوه تركيب الوجه وتقرح الجلد مما يؤدي إلى فقدان جزئي مثل الجفن، الشفة، الأذن، وفي حالات نادرة جدًا لا تتجاوز 1% من الأورام الوعائية يمكن أن يحدث اختلاط مهدد للحياة حين يتسبب الورم بفشل القلب عالي النتاج، نتيجة ضخ القلب كمية كبيرة من الدم للورم، وهذا يحدث عادة في أورام الكبد الوعائية أو الأورام الجلدية الكبيرة.
إلا أن أكثر شكوى متعلقة بالأورام الوعائية الدموية تنبع من مضاعفاتها النفسية الاجتماعية، وتزداد احتمالية حصول ضرر نفسي بدخول المريض المدرسة، لذلك فإنه من المهم الأخذ بعين الاعتبار خيار معالجة الورم قبل عمر المدرسة.
كيف يتم تشخيص الورم؟
عادة يشخص الورم الوعائي الدموي من خلال القصة المرضية والفحص السريري، وعند توقع إصابة البنى الداخلية يجب إجراء دراسة شعاعية من أجل كشفها، ويعد الغلوتين -1 مؤشرًا نسيجيًا كيميائيًا مميزًا بدقة للأورام الوعائية الدموية، ويستخدم للتفريق بين الأورام الوعائية والتشوهات الخلقية.
وننوه إلى أن الأورام الوعائية الدموية قد تكون تظاهرًا لمتلازمات مرضية عدة، مثل متلازمة كازاباخ-ميريت أو متلازمة مافوسي أو غيرها، ولذلك يجب الانتباه عند وجود اضطرابات أخرى مرافقة ككبر حجم الرأس أو أورام شحمية أو نقص صفيحات الدم أو غيرها.
ما خيارات العلاج؟
يجب طمأنة الأهل إلى أن معظم الأورام تختفي من تلقاء نفسها دون علاج، وقد تترك وراءها أثرًا ضئيلًا أو لا تترك أي أثر على الإطلاق، ولكن ذلك يأخذ عدة سنوات.
عند حدوث التقرح تكون المعالجة بالتنظيف ووضع ضمادات، وفي حال بقاء عيوب تجميلية بعد شفاء الورم يمكن إصلاحها عند الرغبة.
في الأورام الوعائية التي تؤثر على المناطق المهمة في الوجه مثل العين، الفم، الأذن، الأنف أو الأورام الكبيرة، يمكن معالجتها بدواء من حاصرات بيتا، وهو بروبرانولول (Propranolol)، لكن يجب أن تبدأ المعالجة في أقرب وقت ممكن للحصول على أفضل النتائج، وتكون أكبر فعالية للبروبرانولول في أول ستة أشهر من فترة ظهور الورم، ويحتاج المريض للمراقبة القلبية عند العلاج.
ويعتبر العلاج بالكورتيزون Corticosteroids علاجًا بديلًا، وعادة يستخدم بريدنيزلون فمويًا بجرعة عالية نسبيا لمدة 4-6 أسابيع، مع تخفيضها تدريجيًا على مدى عدة أشهر، وفي حالة الأورام الصغيرة المرتفعة فوق سطح الجلد يمكن حقن الكورتيزون مباشرة في الورم، ولكن يجب أن يتم الاستخدام في مرحلة نمو الورم مما يوقف النمو.
وفي الحالات التي يفشل بها الكورتيزون بالعلاج يستخدم الإنترفيرون (Interfeeron Alpha-2)، ويعطى حقنًا تحت الجلد بشكل يومي.
ويستخدم المحلول أو الجل الموضعي تيمولول (Timolol) لمعالجة الأورام الصغيرة في الوجه التي قد لا تحتاج لعلاج يشمل أجهزة الجسم.
وهناك دور للعلاج بالليزر للوحمات المسطحة إذا كانت في مناطق تؤثر بمظهر الشخص مثل الوجه ولكن في مراحلها المبكرة قبل أن تكبر، كذلك يستخدم إذا خلف الورم وراءه أوعية دموية في حالات التلاشي غير المكتمل، ولكن وللأسف فإن الأورام المرتفعة فوق سطح الجلد أو تلك التي تحت سطح الجلد لا تستجيب لعلاج الليزر.
في حالات معينة قد يوصى بالتدخل الجراحي، خاصة عندما يتأخر العلاج الموضعي الأولي وتصبح التغيرات في بنية الورم لا يمكن عكسها، خاصة في حالات تصحيح تشوهات الوجه نتيجة الورم، وفي الأورام التي تؤثر على الجفن العلوي وتحجب الرؤية ولا تستجيب للعلاج.