عنب بلدي – رهام الأسعد
تزداد الحاجة إلى بدائل مؤقتة لتسرب طلاب سوريين عن مقاعدهم الدراسية، وسط الحديث عن “ضياع جيل سوري كامل”، غُيّب عن المدارس وتاه بين منهاج “نظامي” وآخر معدّل.
وقد تكون الثورة التكنولوجية في العالم أولى الأدوات المتاحة، والتي سخرها سوريون بمنصات تعليمية إلكترونية أشبه بـ “مدرسة افتراضية”، استهدفت إنقاذ المتسربين من التعليم، ودعم أولئك الملتحقين بالمدارس إلا أنهم بحاجة لمن يسمى “المدرّس الخصوصي”.
تلك المنصات، رغم المآخذ عليها، انتهجت أسلوبًا مغايرًا عما ألفه الطلاب السوريون منذ عقود، عبر عرضها مواد بصرية ومقاطع فيديو تشرح بشكل مفصل جميع مواد المنهاج المدرسي السوري وتغطي جميع المراحل الدراسية تقريبًا، إلا أنها تركز بشكل عام على الشهادتين الإعدادية والثانوية.
بدأ مشروع “المدرسة السورية” عام 2014 كأول المشاريع التعليمية الإلكترونية التي استهدفت الطلاب السوريين في الخارج، والمحاصرين داخل سوريا، ونُفذ بإشراف الهيئة السورية للتربية والتعليم “علم”، ومقرها في تركيا.
أنتجت المدرسة السورية حتى الآن 2605 مقاطع فيديو موجودة على موقعها الإلكتروني وقناتها في “يوتيوب”، يتم من خلالها شرح مواد المنهاج السوري المعدّل من قبل هيئة “علم” بشكل حلقات مرئية، مخصصة للمراحل الدراسية من صف الخامس إلى البكالوريا.
وأشرف على المشروع ما يزيد على 100 موظف داخل الهيئة وخارجها، فيما أشرف على إنتاج تلك الفيديوهات مدرسون مختصون ومؤهلون علميًا، وفق ما قال مدير قسم الإنتاج في “المدرسة السورية”، أحمد الحلبي.
الحلبي قال لعنب بلدي إن فكرة المشروع جاءت في محاولة لإنقاذ الوضع التعليمي المتدهور في سوريا، واستهدف بالدرجة الأولى الطلاب اللاجئين، خاصة أولئك الذين يعيشون في الدول الغريبة والذين لا يتلقون تعليمًا باللغة العربية.
وأضاف أن المشروع وضع نصب عينيه الوصول إلى الطلاب داخل سوريا، الذين يعيشون في مناطق محاصرة تغيب فيها الفرص المناسبة للحصول على التعليم المدرسي.
الحلبي أشار إلى أن المشروع اتبع أسلوبًا مختلفًا في المناطق المحاصرة التي تعاني مشكلات في شبكة الإنترنت، والتي تصعب معها إمكانية فتح الموقع أو مشاهدة مقاطع الفيديو على “يوتيوب”، ففي الغوطة الشرقية، على سبيل المثال، تم إرسال المنهاج كاملًا إلى المراكز التعليمية المختصة، لتُعرض على الطلاب بالتزامن مع شرح مبسط من أحد الأساتذة هناك، فكانت الخطوة حلًا مؤقتًا لغياب الكوادر التعليمية في الغوطة، حسبما قال مدير قسم الإنتاج.
وعن التفاعل، قال الحلبي إن “المدرسة السورية” تحاول خلق فرص للتفاعل بين الطلاب والموقع، وذلك عبر إجراء اختبار عقب كل درس، إذ لا يمكن للطالب الانتقال للدرس التالي إلا في حال اجتاز الاختبار أولًا.
يوجد على قناة المدرسة السورية في “يوتيوب” ما يزيد على 40 ألف متابع، فيما يُقاس التفاعل على الموقع الإلكتروني حسب عدد تسجيلات الدخول، وفقًا لأحمد الحلبي.
مشروع “المدرسة السورية” توقف حاليًا بسبب نقص الدعم المقدم له، إلا أنه لا يزال بالإمكان الاستفادة من الدروس الموجودة على الموقع ومنصات التواصل الاجتماعي.
وبحسب الحلبي فإن المشروع قيد التطوير بجهود متطوعين قرروا مواصلة العمل بسبب “الحاجة الملحة” لوجود مشاريع كهذه.
“مدرسة سورية الإلكترونية” وتبدل بالأهداف
“لا داعي للدروس الخصوصية”، بهذا الشعار قدمت “مدرسة سورية الإلكترونية” تجربة مختلفة للطلاب السوريين، حين أنشئت داخل سوريا عام 2010، على يد التربوي السوري سعد الدين المحاميد، بهدف تخفيف أعباء “الدروس الخصوصية” على أهالي الطلاب.
إلا أنها وبعد تدهور الوضع التعليمي في سوريا، عام 2012، غيّرت المدرسة شعارها، فأصبح “من أجل طلابنا الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى المدارس”، مشيرة إلى أن هدفها هو الوصول إلى الطلاب في المناطق التي لم تعد المناهج الرسمية تغطيها، وسط انتشار النسخ المعدلة من قبل هيئات المعارضة السورية.
يقدم موقع “مدرسة سورية الإلكترونية” خدمات تعليمية مجانية لطلاب جميع الصفوف الدراسية على اختلاف فروعها، كما يقدم نماذج امتحانية وأسئلة دورات لجميع المواد.
ويوفر المشروع إمكانية تحميل المنهاج الدراسي، وفق آخر التحديثات التي تجريها وزارة التربية في حكومة النظام السوري، فضلًا عن إنتاجه مقاطع فيديو خاصة، يتم خلالها شرح مواد دراسية معينة.
تقدر “مدرسة سورية الإلكترونية” عدد الزيارات على موقعها بنحو عشرة ملايين زيارة منذ كانون الأول عام 2014، فيما تملك خمسة آلاف متابع على قناتها في “يوتيوب”، وما يزيد على 140 ألف إعجاب في “فيس بوك”.
مواقع عربية اهتمت بالمنهاج السوري
على صعيد عربي، نشأت مواقع إلكترونية عدة مهمتها تقديم الخدمات التعليمية للطلاب العرب، كل حسب المنهاج المتبع في بلده.
فيما اختصت مواقع أخرى بمناهج عربية محددة، مثل موقع “نفهم”، الموجه إلى طلاب المدارس الحكومية في سوريا ومصر والسعودية والكويت والجزائر، ويركز غالبًا على المناهج الدراسية المعتمدة من قبل حكومات تلك البلدان.
يحوي الموقع أكثر من 23 ألف مقطع فيديو، يشرح المناهج الدراسية لجميع المراحل بشكل مرئي ومجاني بالكامل، وتتراوح مدة الفيديو الواحد بين خمس إلى 20 دقيقة، كما يتيح للمشتركين إمكانية إجراء اختبارات عبر طرح أسئلة تفاعلية عن كل منهاج.
تقدر منصة “نفهم” عدد الطلاب المسجلين في موقعها بنحو 500 ألف طالب، ويصل عدد مشاهدات مقاطع الفيديو التي تنشرها إلى 60 مليون مشاهدة، حسبما ذكرت المنصة على موقعها، فيما بلغ عدد متابعي قناتها في “يوتيوب” حاجز الـ 500 ألف متابع.
هل يفلح التعليم الإلكتروني؟
اختلفت الآراء حول القيمة التي يضيفها التعليم الإلكتروني على الواقع التعليمي بمعزل عن المدارس، وأصبح وجوده محط جدل حين رفضت فئة من المختصين، لا تزال ترى في الورقة والقلم الأساس السليم للتعليم، دخول التكنولوجيا بهذا الشكل إلى حياة الطلاب.
أما في الحالة السورية تحديدًا أخذ المفهوم منحى آخر، حين فرضت الحاجة وجود بدائل من شأنها حماية جيل كامل من خطر الجهل، تمثلت بوجود مواقع قد تكون فاتحة نحو اعتماد التعليم الإلكتروني في البلد، بما يختصر مدة طويلة ينتظر معها السوريون تحسن الواقع التعليمي.
تعليقًا على ذلك، قال المحاضر الجامعي والاستشاري في شؤون الأنظمة الجامعية، بلال صالح، إن التعليم الإلكتروني بشكله الحالي يعتبر حلًا لأزمة وجدت في سوريا مع تدهور البنية التحتية الدراسية بشكل مخيف.
وأضاف لعنب بلدي أن المواقع المذكورة قد تسد ثغرات عدة، أهمها أن الطالب السوري لم يعد مقيدًا بالزمان والمكان للحصول على المعلومة، التي أصبحت رهن الظروف الأمنية، إذ أصبح بإمكانه تخزين المعلومات والعودة لها متى شاء.
صالح قال إن أساليب التقييم المختلفة التي تعتمدها مواقع التعليم الإلكتروني قد تعود بالفائدة على الطلاب الذين يعيشون في المناطق المحاصرة، وسط نقص في الكوادر التعليمية، والافتقار إلى أدوات التعليم الأساسية.
وعن السلبيات، اعتبر الاستشاري السوري أنه لا يمكن وصم تلك المواقع بصفة “السلبية”، إلا أنها “قد تفتقد في بعض الأحيان للمظهر الإيجابي الكامل”، قاصدًا بذلك غياب حالة التفاعل بين الطالب والأستاذ.
وأضاف، “فكرة التفاعل اختفت في هذه المواقع، عنصر التفاعل مهم كونه يضفي قيمة ويدعم عملية العصف الذهني في العملية التعليمية”.
ومع ذلك، قال صالح إن بعض المنصات استطاعت التغلب نسبيًا على تلك المشكلة، عن طريق ما يعرف بـ “فوروم” أو المنتدى، إذ يطرح الأستاذ موضوعًا للنقاش عبر منصته ويثير التفاعل حوله، ثم بعد النقاش يعطي الأستاذ ملخصًا نهائيًا للمادة وفقًا لما اقترحه المشاركون.
“هذه المنصات لا يمكن أن تغني عن التعليم المدرسي أو الجامعي، خاصة أن بعض الطلاب بطبيعتهم لا يستطيعون الدراسة دون ورقة وقلم”، يختم صالح، ويضيف بأن مواقع التعليم الإلكتروني شكلت بديلاً “قويًا” للأستاذ الخصوصي، بما يوفر المال والوقت، دون أن تغني عن التعليم المدرسي، لتتخذ شكل “الحل المنقذ”.