عنب بلدي – مراد عبد الجليل
بدأ رجال أعمال في سوريا، مقربون من النظام أو مندوبون عن دول في المنطقة، بالبحث عن حصة لهم في التنظيمات العمرانية المقرر إنشاؤها في العاصمة دمشق وضواحيها، عبر تأسيس شركات هدفها الأساسي الاستثمار في هذه التنظيمات.
“ماروتا سيتي”، التي تعني باللغة السريانية “السيادة والوطن”، و”باسيليا سيتي” التي تعني “الجنة”، اسمان لمدينتين تعمل حكومة النظام على إنشائهما في دمشق، الأولى في منطقة خلف الرازي وبساتين المزة العشوائية، والثانية تمتد من جنوب المتحلق الجنوبي إلى القدم وعسالي وشارع الثلاثين، الخاضعة حاليًا لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
“حلم دمشق المنتظر” أو “المدينة الجديدة، التي ستسهم في بزوغ فجر جديد لدمشق على خارطة الحداثة العالمية”، وصفان أطلقا على مشروع “ماروتا سيتي” التي بدأت محافظة دمشق العمل في أساساته في سابقة هي الأولى من نوعها في سوريا، لأسباب قد ترتبط بالملف السياسي وملف إعادة الإعمار ومحاولة الانطلاق به قبل التوصل إلى حل سياسي ينهي الحرب الدائرة منذ سنوات.
الطاعة والولاء معيار اختيار المستثمرين
الحديث عن شكل التنظيم العمراني والمخطط في منطقة الرازي شغل حيزًا كبيرًا في وسائل الإعلام المحلية والعربية، خلال الأشهر الماضية، باعتبار أن العمل به بدأ منذ أواخر العام 2017.
لكن اللافت في مشروع “ماروتا سيتي” هو الشركات ورجال الأعمال الجدد، الذين برزت أسماؤهم على الساحة الاقتصادية السورية، وسط تساؤلات كثيرة عن مصدر أموالهم.
البداية كانت مع إطلاق محافظة دمشق في 2016 شركة “دمشق القابضة” برأسمال قدره 60 مليار ليرة سورية، بهدف تنفيذ المشروع في منطقة بساتين خلف الرازي، ومن مهام الشركة توقيع اتفاقيات مع مساهمين وشركات أخرى للاستثمار في المنطقة.
تحالف جديد هو الأهم وقع في تشرين الأول 2017، لإنشاء شركة “أمان دمشق المساهمة المغفلة” برأسمال 18.9 مليون دولار، بين ثلاث شركات هي شركة “دمشق القابضة” وشركة “أمان القابضة المغفلة المساهمة”، التي تأسست في أيار 2017 برأسمال 600 مليون ليرة والعائدة لسامر وزهير وعامر فوز بالتساوي، وشركة “فوز التجارية” العائدة لرجل الأعمال سامر فوز والمنشَأة في 1988.
وتبلغ القيمة الاستثمارية لـ “أمان دمشق المساهمة” في المشروع 150 مليار ليرة سورية، مخصصة لاستثمار ثلاثة أبراج بمساحة تقارب 200 ألف متر مربع، إضافة إلى استثمار خمسة مقاسم سكنية وفق الطراز العمراني الحديث بمساحة تصل إلى 43 ألف متر مربع، ويصل الارتفاع الطابقي للأبراج بين 50 و70 طابقًا.
وبحسب موقع شركة “دمشق القابضة” على الإنترنت، ستشكل هذه الأبراج معلمًا من أهم المعالم الحضارية لمدينة دمشق وعلامة فارقة في المشهد العمراني للمدينة.
أما الاسم الثاني الذي برز في المدينة الجديدة كان رجل الأعمال مازن الترزي، الذي وقعت معه الشركة عقدًا لاستثمار المول المركزي في “ماروتا سيتي” بمساحة 120 ألف متر مربع وبقيمة 108 مليارات ليرة سورية، وإنشاء ستة مبان استثمارية إضافية بمساحة 26 ألف متر مربع، وبيعه خمسة مقاسم ضمن المدينة بقيمة تصل إلى 70 مليون دولار.
وبعد أسئلة عن غياب رجل الأعمال الأول في سوريا، رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام بشار الأسد، عن المشروع، بدأ، الأسبوع الماضي، بالاستثمار في “ماروتا سيتي” عبر تأسيس شركة “روافد دمشق المساهمة” برأسمال 25.9 مليار ليرة سورية، بين “دمشق القابضة”، المسؤولة عن تنظيم المنطقة، وأربع شركات بينها شركة “راماك للمشاريع” التي يملكها مخلوف أيضًا.
الأسماء دفعت للتأكيد على الفرضية القائلة إن أي مستثمر لا بد أن يمر من دائرة النظام الاقتصادية، وأن يكون حاصلًا على الضوء الأخضر للسماح له بدخول “مدينة الحلم” كما يطلق عليها.
الباحث الاقتصادي يونس الكريم أوضح لعنب بلدي أن حجم استثمار رجل الأعمال في المشروع يحدده حجم علاقاته الدولية ومع رجال الأعمال الآخرين من ناحية، ومدى احتياج المشروع لكمية هذه الأموال من جهة أخرى، بحيث لا تتجاوز سقف الأموال المستخدمة النصف أو ثلاثة أرباع حجم المشروع.
وأكد الكريم أنه يجب على المستثمر جلب أموال من الخارج لدعم المشروع، باعتبار أن النظام لا يسمح لأحد بالاستثمار إلا إذا كانت هناك فائدة من علاقات رجل الأعمال بدولة ما، معتبرًا أن معايير اختيار رجال الأعمال للمشاركة في هذه المشاريع هي: الطاعة والولاء والعلاقات مع الدول.
مخطط جديد لمداخل دمشق
توقيع الاتفاقيات في “ماروتا سيتي” تزامن مع إعلان محافظة دمشق عن مخطط تنظيمي جديد باسم “باسيليا سيتي”، يمتد من جنوب المتحلق الجنوبي إلى القدم وعسالي وشارع الثلاثين، الخاضعة حاليًا لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وتصل مساحته إلى 900 هكتار، بما يعادل تسعة ملايين متر مربع، وعدد عقاراته أربعة آلاف عقار.
قسم من مخطط التنظيم الجديد يقع تحت سيطرة تنظيم “الدولة”، وبحسب معلومات عنب بلدي، فإن المنطقة لم تتعرض لدمار حتى الآن، وسط توقعات بشن النظام عملية عسكرية قد تفضي إلى تدميرها قبل السيطرة عليها، واستخدام ذلك حجة لمنع الأهالي من العودة، لأنها “غير صالحة للسكن”، على غرار ما حصل في مناطق أخرى كأجزاء من داريا التي شملتها التنظيمات العمرانية.
وهو ما أكده مدير مديرية مشروع “تنظيم 66”، جمال اليوسف، في مقابلة مع “التلفزيون السوري” الرسمي، في كانون الأول الماضي، بقوله “تنظيم كفرسوسة كتجربة، في معالجة العشوائيات، غير مسبوقة، ليس على مستوى سوريا فقط وإنما على مستوى العالم، لأنه لم يجرؤ أحد على الدخول إلى منطقة عشوائيات بهذه القوة ويزيلها وينقلها إلى واقع عمراني حضاري متميز”.
كما أعلن رئيس حكومة النظام السوري، عماد خميس، في 29 من آذار، عن تنفيذ مخطط عمراني جديد للغوطة يحقق التنمية العمرانية، وسط تخوف من أهالي المنطقة لاستملاك أملاكهم وبدء السمسرة عليها لإعادة إعمارها، عبر إصدار قوانين تسمح بذلك مستقبلًا، بعد السيطرة عليها في حال خروج فصائل الجيش الحر إلى إدلب.
النظام يسعى إلى إنشاء مخطط تنظيمي في مداخل دمشق، وهذا المخطط ليس جديدًا، وكان في السابق محكومًا بقضايا دستورية وقانونية وحتى بالإمداد السكاني الكبير وكيفية إمكانية بناء وحدات سكانية، في حين أن المناطق المحيطة بدمشق (الغوطة ووادي بردى والقدم) الآن فارغة ولم يعد فيها كثافة سكانية كبيرة، ولم يعد لمؤسسات الدولة أي دور في تقييد حركة النظام من خلال القانون والدستور، وبالتالي سيتجه النظام إلى تغيير في خططه المعمارية عبر إرفاق الأبنية بشبكة طرقات ومواصلات متقدمة، إضافة إلى بناء مطارين، وذلك في سبيل تحويل دمشق إلى ملاذ آمن مغرٍ بعيدًا عن الرقابة الدولية، بحسب ما قاله يونس الكريم.
لا فائدة للمواطنين
السؤال الذي يتداوله المواطنون، وخاصة سكان العاصمة، يدور حول الفائدة التي سيجنونها من هذه المشاريع، خاصة أن الحكومة صرحت مرارًا أن دمشق ستتحول إلى مستوى عالٍ من الرفاهية.
الكريم أكد أن “ماروتا سيتي” مشروع غير مخصص للسوريين، وإنما لطبقة أثرياء من الدول العربية لا مشكلة لديها في إبرام صفقات سوداء خارج حدود الرقابة، خاصة مع العقوبات المفروضة دوليًا على الأسد، فمن المتوقع أن تستقطب هذه المشاريع “عصابات ومافيات وزعماء فاسدين” في العالم، لتصبح ملاذًا آمنًا لأموالهم، مقابل حصول النظام على دعمهم المادي واللوجستي وجزء من هذه الأموال.
وهذا ما أكده عضو المكتب التنفيذي لشؤون الموازنة والمالية في محافظة دمشق، فيصل سرور، خلال ندوة الأربعاء الماضي، بأن “محافظة دمشق لن تكون مدينة صناعية على الإطلاق بل سوف تكون مدينة سكنية يرتاح فيه السكان ويحلو فيها العيش”.
أما عن الفائدة للسوريين فاعتقد الكريم أنه لا توجد أي فائدة لهم من ماروتا، لأن سعر المتر الواحد في الشقة السكنية سيبدأ من ثلاثة ملايين ليرة سورية، يعني سعر الشقة الواحدة 300 مليون ليرة وهو مبلغ كبير بالنسبة للسوريين، كما سترفع المدينة الجديدة الإيجارات في الأحياء الشعبية المجاورة لها، باعتبارها قريبة من الأحياء الفخمة، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية فيها باعتبارها منطقة رفاهية من الدرجة الأولى.