يشبك الروائي الأمريكي إرفين يالوم بين حياتي شخصيتين عظيمتين عاشتا في القرن التاسع عشر، لكنهما لم تلتقيا في الواقع، مستخدمًا الخيال لفهم أعمق لشخصية كل من الفيلسوف فريدريك نيتشه، وعالم النفس جوزيف بريوير.
الرواية التي حملت اسم “عندما بكى نيتشه” نجحت بتشكيل صدمة للقارئ بدءًا من العنوان، فنيتشه معروف بفلسفته القاسية، ومن العجيب جدًا تخيل رجل مثله بشاربيه الثخينين يبكي لأي سببٍ كان، وهو الداعي إلى ولادة الإنسان المتفوق والمتعالي على الضعف البشري.
في بداية الأمر يخال القارئ أن الرواية تدور حول “بريوير”، لكن ما إن تظهر “لو سالومي”، الفتاة الروسية الحسناء، حتى تبدأ الأحداث بالتكثف وتقديم صورة عميقة ومتشابكة عن شخصية نيتشه وفلسفته، وعن أساسيات علم النفس الحديث.
يأخذ “بريوير” على عاتقه مهمة علاج “نيتشه” من مرض اليأس، بشروط تعجيزية تكاد تجعل المهمة مستحيلة، إذ يتوجب على الطبيب معالجة مريضه دون أن يعلم الأخير أنه يخضع للعلاج، بسبب أسلوب تفكيره القاسي الذي يرفض أي شكل من أشكال الضعف.
وخلال البحث عن أسلوب للنجاح بهذه المهمة، يظهر شاب صغير صديق لـ “بريوير”، ما زال حائرًا في تحديد الاختصاص الطبي الذي يرغب بدراسته، ويدعى سيغموند فرويد.
فرويد الذي ما زال اسمه مسيطرًا على ساحة الطب النفسي حتى يومنا هذا، بالرغم من كل الأعمال النقدية التي ظهرت في مواجهته، كان لا يزال في التاريخ الذي تفترضه الرواية في الربع الأول من القرن التاسع عشر، شابًا مغمورًا، ولم ينجز شيئًا من أعماله التي ستغير وجه العالم، لكن فكرة صغيرة وغريبة كانت تداعب مخيلته دومًا، وهي وجود عقل باطن لدى الإنسان.
وبالاعتماد على هذه الفكرة التي لم تكن سوى بذرة سخر منها “بريوير” بداية الأمر، يتم بناء العلاج الذي سيؤدي إلى تغيير شخصية “نيتشه” وطبيبه على حد سواء.
الرواية وإن كانت قائمة على الخيال بشكل أساسي، فبروير ونيتشه لم يلتقيا أبدًا في الواقع، إلا أنها فرصة مناسبة جدًا للأشخاص الراغبين بمعرفة أكثر عمقًا لشخصية المبدعين الذي أسسوا لعلومنا الحديثة.