عنب بلدي – خاص
ألقت الظروف التي تعيشها الغوطة الشرقية بتداعياتها على محافظة درعا، التي اعتبرت الطرف الأول المعني بما حصل، والوجهة المقبلة لقوات الأسد والميليشيات المساندة لها، وما قد يليها من خيارات للتفاوض.
منذ انطلاق الهجوم على الغوطة، 19 من شباط الماضي، عاشت فصائل درعا استنفارًا عسكريًا، وأكدت جاهزيتها، وهددت عبر قيادييها بشنّ هجمات ضد مواقع قوات الأسد لمؤازرة الغوطة.
لكن الهجمات لم تحدث حتى الآن، قبل أن يُفاجأ العسكريون والمدنيون بتسارع الأحداث التي انعكست على المشهد بشكل كامل، وتحول الاستنفار إلى حراك المدني في عدة اتجاهات، بين مطالب بالمفاوضات ومن أجراها فعلًا، وبين مطالب بالتحرك العسكري الفوري والمعارض له.
“عرابو المصالحات” إلى الواجهة
وبالتزامن مع خروج دفعات الأهالي والمقاتلين من الغوطة، شهدت بلدات درعا نشاطًا واسعًا وغير متوقعًا لمن بات يُطلق عليهم لقب “عرابو المصالحات”، والذين يتركز عملهم بالتمهيد لاتفاقيات المصالحة مع قوات الأسد، متذرعين بمحاولتهم تجنيب بلداتهم لسياسة الأرض المحروقة والتهجير القسري.
وتمكنت بعض هذه المحاولات من إبصار النور فعلًا، ما دفع بعض الفعاليات المدنية في مدينة الحارّة بريف درعا الشمالي الغربي إلى تشكيل وفد لم تشارك فيه أي من الفصائل العسكرية، وعقدت اجتماعًا مع ممثلين عن قوات الأسد ومسؤولين روس في محافظة السويداء، بحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي من مصدر مطلع.
وقال المصدر (طلب عدم ذكر اسمه) إن التهديدات الروسية غلبت على لغة التطمين، وانحصر أسلوب الحوار الذي انتهجه الضابط الروسي بالتهديد المستمر بسيناريو الغوطة الشرقية، والمطالبة بالاستعجال للدخول إلى المصالحة قبل بدء الخيار العسكري.
واشترطت قوات الأسد وحليفها الروسي أن تبادر فصائل مدينة الحارّة إلى تسليم سلاحها بالكامل، وعودة المنشقين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية ودخول قوات الأسد إلى المدينة.
وأضاف المصدر أن البديل عن الانضمام لقوات الأسد هو تشكيل جهة مسلحة واحدة في المدينة تتبع للدفاع الوطني، ويكون قادتها من المدينة نفسها، ويتلقون الدعم المادي والعسكري من قوات الأسد.
وتضمنت المفاوضات، التي لم تصل إلى توافق حتى اللحظة، وعودًا بعودة الخدمات الأساسية من الماء والكهرباء والبلديات إلى المدينة بعد إتمام “المصالحة” فيها.
وأدى تحريك ملف مدينة الحارّة إلى انقسام أهالي المدينة بين مؤيد ومعارض، وزاد على ذلك تصريح مندوب النظام السوري في الأمم المتحدة، بشار الجعفري حول “مسرحية تحضر لها المعارضة لاستخدام أسلحة كيماوية في تل الحارّة في ريف درعا”، والذي خلق مزيدًا من التوتر والبلبلة.
ونتيجة لذلك، قاطع مجلس مدينة الحارة العسكري المفاوضات التي دارت حول المدينة، محملًا في بيان له “المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه الشعب السوري، وتهديد المدنيين الآمنين باستخدام أسلحة محرمة دوليًا”.
وأكد أن هذه الادعاءات تأتي في محاولة من قوات الأسد لخلق مبررات لاستعادة تل الحارة الاستراتيجي متوعدًا بالدفاع عنه.
تحركات فردية تبني مستقبلًا
لم تكن مدينة الحارّة الوحيدة التي شهدت نشاطًا لـ “عرابي المصالحات”، ويبدو أن بلدات عديدة تشهد حراكًا مماثلًا، لكنه “ما زال سريًا خوفًا من ردود فعل انتقامية من الفصائل العسكرية”، بحسب أبو محمود الجباوي، المتابع لاجتماع مماثل لاجتماع مدينة الحارّة، قادته شخصيات من مدينة جاسم.
وأكد الجباوي لعنب بلدي التأثير الحقيقي لهذه الاجتماعات في الوقت الراهن، والتي لا تتعدى أن تكون تحركات فردية قد يُبنى عليها مستقبلًا.
وأشار إلى أن قرار الفصائل العسكرية في هذه اللحظة هو القتال في حال تعرضت لأي هجوم.
واعتبر أن “السقوط السريع للغوطة انعكس سلبًا على محافظة درعا عسكريًا ونفسيًا”، لافتًا إلى أن الحاضنة الشعبية لفصائل الغوطة تمثل نموذجًا يُضرب به المثل للعديد من المناطق في محافظة درعا.
وبعيدًا عن الأهمية الاستراتيجية للغوطة، إلا أن خسارتها بعد شهر فقط من المعارك وخروج عشرات الآلاف بالحافلات، ومشاهد التدمير الكامل للمدن، مثل مشهدًا صادمًا للأهالي في درعا وخوفًا حقيقيًا من أن يواجهوا ذات المصير.
وطالب الجباوي القادة العسكريين والوجهاء والشخصيات الدينية بقيادة “حملات تطمين هدفها إعادة الروح المعنوية للأهالي، وإيقاف سيل الشائعات والتخوين، وإثبات قدرة الفصائل العسكرية على خوض أي معركة مرتقبة”.
دار العدل تتوعد
بدورها، وردًا على نشاط “عرابي المصالحات”، أصدرت محكمة دار العدل في حوران مذكرة إيقاف بحق المدعو جهاد النعمة، والذي يعمل مختارًا لبلدة الكرك الشرقي في ريف درعا الشرقي.
وطالبت جميع “الفصائل الثورية” في المنطقة الشرقية بإحضاره إلى المحكمة، في خطوة هي الأولى من نوعها على هذا الصعيد، إذ يُتهم مختار البلدة بأنه إحدى أبرز الشخصيات التي تملك اتصالات مع قوات الأسد، وقاد وفودًا من البلدة في اجتماعات سابقة كانت تهدف لتحييد المدينة عن عمليات القصف الجوي.
إلى جانب ما سبق، شهدت مدينة إنخل مظاهرات تُطالب بإخراج “هيئة تحرير الشام” من المدينة وعدم إقحامها في أي عمل عسكري، وعاشت بلدتا بصر الحرير ومليحة العطش خلال الأسابيع الماضية نزوحًا للأهالي خوفًا من عمل عسكري لم يبدأ، في الوقت الذي تعيش فيه أحياء درعا المحطة الخاضعة لسيطرة قوات الأسد حالة من الترقب إن كانت أحياؤهم ستكون هدفًا للمعارضة للسيطرة عليها أو منطلقًا لقوات الأسد باتجاه أحياء سيطرة المعارضة.
وأمام سيل من الشائعات والتسريبات والتهديدات، يبدو أن ضجيج المعركة المرتقبة في محافظة درعا قد أصبح عاليًا قبل أن تُطلق لهذه المعركة أيّ رصاصة.