إيران وأرواح ضحاياها في سوريا

  • 2018/04/01
  • 12:39 ص

إبراهيم العلوش

خلال أسبوع واحد نشر وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، مقالين يداهن فيهما الأنظمة العربية، ويدعوها للتعاون ضد الشعوب وضد الغرب، اللذين يعتبران عدوين استراتيجيين لدولة الملالي.

نشر ظريف مقاليه بين 20 و27 من آذار 2018 على منصتي الجزيرة نت، والعربي الجديد، وهما من أهم المنصات الإعلامية القطرية، وفي نفس الأسبوع هُجّر عشرات الآلاف من سكان الغوطة الشرقية على أيدي قوات الحرس الثوري الإيراني، والدفاع الوطني السوري- الإيراني “شركة أمنية إيرانية- أسدية مساهمة، وغير مغفلة”، وذلك تحت غطاء الطائرات الروسية، وبدعم الدبلوماسية الروسية في الأمم المتحدة التي صارت بارعة بتبرير قتل وتهجير المدنيين السوريين.

ظريف يناشد أنظمة الجوار العربي بالتوحد مع جهود إيران للحفاظ على أمن الأنظمة الحاكمة في المنطقة، وتأمين استمرارها، وتبادل المعلومات الاستخبارية حول التحركات المعادية لهذه الأنظمة، سواء كانت من قبل الغرب الذي يرفع شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان، أو من قبل الشعوب التي تتوق للحرية.

فالنظام الإيراني واقع بين نارين، نار الثورة الإيرانية الداخلية، وانتقال عدوى الربيع العربي إلى شعبه بعد الفشل الاقتصادي والسياسي لدولة الملالي، والنار الأخرى ناجمة عن انعكاسات تدخل النظام الإيراني في شؤون المنطقة ومشاركته نظام الأسد بقتل وتهجير نصف عدد سكان سوريا.

لكن الوزير الإيراني يشدد على أن الخلاف لا يفسد للود قضية، ولعله يقصد أن الخلاف على قتل السوريين وطريقة تهجيرهم لن يفسد للودّ قضية أبدًا مع الجوار التاريخي والاستبدادي لأنظمة المنطقة، التي اعتادت تكرار هذا التخريب عبر قرون طويلة.

وإيران تتوجس الخطر من التعيينات الجديدة في الإدارة الامريكية، واجتماع صقور اليمين الأمريكي المنادين بالحرب على إيران، ومناداة سياسييها بلجم تدخلها في المنطقة العربية وفي سوريا، خاصة بعد كل هذا الغرور، والهمجية الإيرانية، والتفاخر بقتل السوريين وتهجيرهم، بلا أي رد فعل حقيقي على الأرض من قبل الأمم المتحدة، ومن قبل المجتمع الدولي، وخاصة الدول التي تتغنى بالديمقراطية، وحقوق الانسان طوال الوقت.

إذا استمر معدل كتابة مقالات ظريف بهذا التسارع (مقالان في الأسبوع الواحد) فإننا سنجد أمامنا تلة من المقالات التي يكتبها وزير الخارجية، والساسة الإيرانيون، وصحفيو أذيال المقاومة والممانعة، تلة كبيرة من التغني “الجديد والطارئ” بالتآخي العربي الإيراني، وبضرورة التنسيق المشترك بين دول الجوار، وما إلى ذلك من نفاق سياسي وميليشياوي، يتوجس خيفة بانتظار موعد 12 من أيار من هذا العام، لإعادة النظر بالاتفاق النووي الإيراني مع الدول الغربية، وروسيا والصين.

دولة الملالي بارعة بالتلاعب وبالبازارات وبتغيير مشاهد المسرح الذي تلعب فيه، وما مقالات ظريف إلا جزء من هذه التلاعبات، التي لا تعني إلا المزيد من أعمال القتل والتدمير، ولكن بمسحة إعلامية ودبلوماسية أكثر لطفًا ونفاقًا، في محاولة لاستعادة ولو جزء ضئيل من سمعتها، وسمعة ربيبها حزب الله، بعد الخيانة التي ارتكباها بحق الشعب السوري، والتي يظنان بأنها خلاف بسيط يمكن حله أو تغيير طريقة أدائه.

في المقابل ترامب عازم على إلغاء الاتفاق النووي الإيراني في 12 من أيار المقبل، وهو يستفيد من نداءات العالم، ونداءات السوريين، بوقف الهمجية الإيرانية في سوريا، وفي المنطقة، وصار يعدّ العدة للحرب ضد إيران، أو يمهد الطريق لابتزاز إيران، وجعلها تخضع لصفقة تنازلات موجعة لتدفع فواتير غطرستها.

ترامب يستفيد أيضًا في ضغوطه، من الغضب العام ضد دولة الملالي، فاليوم صار الناس يدعون المقاتلات والصواريخ الأمريكية لضرب الإيرانيين، الذين يعيثون قتلًا وتدميرًا بالسوريين، بعدما كانت هذه المقاتلات والصواريخ رموزًا للاستعمار والإمبريالية قبل سنوات قليلة. وكانت المقاومة والممانعة الإيرانية رمزًا للخير والصمود، قبل أن تشمّر عن سواعدها وتشرع بذبح السوريين، وتعذيبهم، وتهجيرهم، وتفتيشهم إن كانوا يحملون ربطة خبز، أو حبّة دواء على حواجز حزب الله، والميليشيات الطائفية الإيرانية.

لا تتضمن مقالات ظريف أي اعتراف بالذنب على جرائم الحرس الثوري الإيراني بحق السوريين، وطبعًا فإن غطرسته لا تسمح له بأي اعتذار لأرواح السوريين التي أزهقتها قواته، ولا بسنوات الحصار، والتجويع، والتعذيب، التي لا تزال مستمرة حتى تاريخ نشر آخر مقال له في الجزيرة نت في 27 من آذار 2018.

الخامنئي الذي يتبجح بانتصار مذابحه، وحرسه الثوري على السوريين، بدأ بسلسلة خطابات موجهة إلى الإيرانيين تحضيرًا لهم للمقاومة والممانعة بعد أيار المقبل، ويناشدهم بمقاطعة البضائع الغربية “الكافرة”، والاعتماد على المنتجات الإيرانية “المسلمة والأخلاقية”، في حين أن الكاميرات التقطت له صورًا بعد أحد هذه الخطابات، وهو يركب سيارة ألمانية “كافرة” BMW ثمنها مليون دولار.

الصحافة العربية ستكون على موعد مع سيل المقالات الإيرانية التي دشن بدايتها ظريف بمقاليه، وستتدفق سيول مقالات شبيحة إيران في المنطقة، علّهم يمررون الجرائم الإيرانية، ويعتبرونها جزءًا من الماضي، رغم أن دماء السوريين لم تجف بعد، وباصات النظام وإيران لا تزال تهجّر الآلاف كل يوم لاستكمال خططها الطائفية.

أرواح السوريين المغدورة، والتي أزهقها نظام الملالي لن تضيع هباءً، وهي لن تترك الملالي، ولا شبيحتهم، يهنؤون بمناوراتهم، ولن تجعل العالم كله هانئًا، ما لم تتم محاسبة الجناة، وأولهم نظام الأسد، وملالي إيران الذين تمتلئ أفواههم بأشلاء السوريين، ولن تجمّلها لا مقالات ظريف، ولا خطابات حسن نصر الله الذي بات مثل أضحية مربوطة، ولا تعرف موعد التضحية بها في التنازلات الإيرانية الموجعة التي قد تخضع لها بعد أيار المقبل.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي