بعد مرور 28 عامًا على نهاية مهام “المرأة الحديدية”، تحاول رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة، تريزا ماي، أن تلعب دورًا يفعّل موقع بريطانيا في معادلة القوى العالمية مجددًا، ويرسم ملامح “مارجريت تاتشر” جديدة في القارة الأوروبية.
ولعلّ الأزمة الأخيرة التي “سممت” العلاقات بين موسكو ولندن، كانت سببًا في تسليط الضوء على ماي، وإثارة الجدل حول قدرتها على إدارة الأزمة لصالح بريطانيا، وسط تعنّت روسي.
وكانت شرارة الأزمة أشعلها العميل الروسي اللاجئ في بريطانيا، سيرجي سكريبال، الذي أصيب وابنته بتسمم إثر استنشاقهما لغاز الأعصاب، ما دفع بلندن إلى اتهام موسكو بالوقوف وراء العملية، معتبرةً أن “المادة التي استعملت في الاعتداء تنتمي لمجموعة نوفيتشوك لغازات الأعصاب التي طورها الاتحاد السوفياتي خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي”.
وبدأت بريطانيا عقوباتها على روسيا بطرد 23 دبلوماسيًا روسيًا، كما أعلنت رئيسة الوزراء حزمة من الإجراءات الاقتصادية والدبلوماسية، ومنها قرار بإلغاء كل الاتصالات الثنائية رفيعة المستوى مع روسيا.
وقادت ماي حملة دولية، دفعت بها كل من أمريكا وكندا وأوكرانيا، إضافة لـ 15 دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، إلى طرد نحو 100 دبلوماسيًا روسيًا من أراضيها، على خلفية الهجوم على العميل الروسي.
ورغم أن روسيا رفضت الاتهامات البريطانية باستخدامها غاز الأعصاب، إلا أن ماي اتهمت الحكومة الروسية باتخاذ “إجراءات عدوانية في أوروبا والعالم”، معتبرةً أن “المشكلة مع روسيا ستستمر خلال السنوات المقبلة”.
واستدعت الأزمة ردود فعل روسية طالت شخص تريزا ماي، إذ قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخروفا، إن ماي وضعت قنبلة موقوتة في كافة الدول الأوروبية التي تبدأ بممارسة سياسة معادية لروسيا.
كما انتقدت زاخاروفا دعوة ماي إلى توحيد السياسة الأوروبية الخارجية، على الرغم من قيادتها العام الماضي حملة ناجحة للخروج من الاتحاد الأوروبي.
وكانت ماي (62 عامًا) نجحت العام الماضي في دفع بريطانيا إلى التحرر من الكونفدرالية الأوروبية، واستطاعت أن تعبّر عن النهج المحافظ لحزبها، في محاولة التمسك بالهوية البريطانية وتعزيزها.
ويعرف عن ماي في بريطانيا أنها من “أبرز السياسيين” البريطانيين، إذ تولت قبل وصولها إلى رئاسة الوزراء منصب وزيرة الداخلية لفترة طويلة، كما يشار إليها على أنها صاحبة “شخصية قوية”، و”جريئة في القرارات السياسية”.
شغلت تيريزا ماي مناصب متعددة ضمن حزب المحافظين بين عامي 1999 و2010، إذ كلفت بملفات البيئة والأسرة والثقافة وحقوق المرأة والعمل.
كما ساندت رئيس الوزراء البريطاني السابق، ديفيد كاميرون، الذي منحها بدوره منصب كرسي وزارة الداخلية بين عامي 2010 و2015.
على المستوى الداخلي، استطاعت ماي تجاوز الانتقادات الموجّهة إليها في أكثر من مناسبة، إما لخطط محلية، أو لتغيبها عن مناظرات سياسية.
بينما أجج “التلاسن” بين ترامب وماي الجدل في بريطانيا حول انتهاك واشنطن للسيادة البريطانية، بعد أن ردّ على انتقادات ماي لتغريداته “العنصرية” بالقول “تيريزا ماي لا تركزي اهتمامك علي، بل على الإرهاب المتشدد المدمر داخل المملكة المتحدة. نحن على أفضل ما يرام”.
وعلى الرغم من انتقاداتها لعنصرية ترامب، إلا أن ماي حاربت ما تصفه بـ “التطرف الإسلامي” في المملكة المتحدة، ودعت إلى تقييد سياسات اللجوء.
بينما عبرت بالمقابل عن احترامها للمسلمين، وظهرت مرتدية للحجاب في مسجد “ميدينهيد” في مقاطعة باركشير جنوب شرقي بريطانيا، في فعالية “زُر مسجدي”، التي تقام سنويًا في بريطانيا منذ 2015 بهدف تعزيز الحوار بين الأديان، كما وصفت الإسلام بأنه “دين السلام”.
ويستغل أنصار اليمين المتطرف مواقف ماي “غير الصارمة” للتقليل من قدرتها على قيادة بريطانيا، بينما يسعى المحافظون إلى دعم صورتها كشخصية سياسية فذة.
ولا تقف الانتقادات تجاه ماي على اليمين المتطرف، بل تقود روسيا منذ العام الماضي حملة لإضعاف صورة ماي، عبّر عنها رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس “الدوما”، ليونيد سلوتسسكي، العام الماضي، بقوله إن “ماي تحاول ارتداء وجه المرأة الحديدية، وتقليد واستنساخ سالفتها مارجريت تاتشر، رغم عدم قدرتها على ذلك”.