عنب بلدي – محمد حمص
تعاني الأبنية في عدة مناطق من سوريا آثارًا جانبية بسبب معارك دارت فيها، وفي وقت عاد عدد من سكان بعض المناطق تدور مخاوف حول أهلية هذه الأبنية للسكن واحتمال سقوطها.
وأدى انهيار مبنى سكني مؤلف من خمسة طوابق في حي ميسلون، أحد أحياء حلب الشرقية، إلى مقتل عدد من سكانه، بحسب ما قالت وزارة الداخلية في حكومة النظام السوري، في 5 من آذار الحالي.
وتعود أسباب انهيار البناء إلى تضعضعه جراء تعرضه للقصف بشكل مباشر من قبل الطيران الحربي، في أثناء سيطرة المعارضة على المنطقة عام 2016.
ووفق أرقام رسمية لحكومة النظام السوري ألحقت المعارك في الأحياء الشرقية لحلب أضرارًا بلغت 70% من المباني، وقدرت تقارير حكومية أن 30% من المباني لحقت بها أضرار جسيمة وهي بحاجة إلى إعادة تأهيل قبل أن تصبح صالحة للسكن.
ونقلت صحيفة “الوطن” المحلية عن مصادر في مجلس مدينة حلب أن رئيس المجلس، محمد أيمن الحلاق، وجه جميع مخاتير الأحياء في المدينة عبر كتاب رسمي بإبلاغ المديرية الخدمية المختصة عن الأبنية المأهولة والمهددة بالانهيار بسبب الأضرار التي لحقت بها، ما يهدد سلامة ساكنيها لاتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون وقوع كوارث.
وخرجت المعارضة من أحياء حلب نهاية عام 2016، إلا أن معظم مباني المنطقة تلقت صدمات مباشرة أو غير مباشرة نتيجة القصف المكثف، والذي تضمن أسلحة ارتجاجية روسية وبراميل متفجرة وصواريخ من الطيران الحربي.
لجنة إعادة الإعمار: 50% من المباني مهددة
مصدر هندسي من مدينة حلب، رفض ذكر اسمه، قال لعنب بلدي إن بعض الأبنية سقطت بعدما عاد السكان إليها، لذلك تحظر لجنة إعادة الإعمار، التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الأهالي من العودة دون فحص منازلهم.
وبدأت لجنة إعادة الإعمار في مدينة حلب عملها بشكل فعلي منتصف عام 2017، وتتبع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتقوم على تقييم أضرار المباني في أحياء حلب الشرقية.
وتفرز الأبنية من الأقل تضررًا إلى الأكثر تضررًا، بحسب المصدر الهندسي، وترمّز اللجنة الأبنية بثلاثة ألوان: الأحمر يعني أن المبنى بحاجة إلى ترميم بسيط، والأصفر يعني أن البناء مدمر جزئيًا، والأخضر يعني أن البناء إما على وشك السقوط أو أن أضراره كبيرة جدًا.
نسبة الأبنية الآيلة للسقوط بلغت 50% من المباني التي كشفت عليها اللجنة، وبحسب المصدر تم الكشف على 90% من المباني المشمولة بنشاط اللجنة ضمن الأحياء الشرقية لمدينة حلب.
وقدم برنامج الأمم المتحدة “UND” نحو 40 مليون ليرة سورية لـ “نقابة المهندسين” في المدينة، التي يقوم خبراؤها بجولات مكثفة لتقييم حجم الضرر في العقارات.
وبحسب المصدر فإن المباني أو العقارات المتضررة بدرجة بسيطة أو متوسطة يتم إعداد تقارير خبرة هندسية حولها وتقدم إلى الجهة الأممية المسؤولة عن اللجنة، لتمول بدورها عمليات الترميم عبر متعهدين محليين، أما فيما يخص العقارات المدمرة بشكل كامل فيشار إليها فقط دون تفاصيل، مع عدم تحديد الجهة التي يمكن أن تقوم بإعادة إعمارها مجددًا.
أسباب تضرر الأبنية
القذائف والصواريخ والقنابل الارتجاجية والبراميل المتفجرة كانت العامل الأكبر في ضعضعة وإضعاف الأبنية المرخصة والعشوائية على حد سواء، إذ تؤثر الانفجارات والضغط الناجم عنها على الأبنية المعرضة بشكل مباشر ضمن دائرة يصل نصف قطرها إلى 500 متر، بحسب المهندس المعماري الاستشاري مظهر شربجي، الذي كان يشغل رئيس شعبة المهندسين بريف دمشق.
وأوضح أن الأبنية بمجملها مصممة لتتحمل عدة عوامل طبيعية كالاهتزازات الزلزالية والرياح وغيرها، ولكنها غير مصممة لتلقي صدمات غير طبيعية وموجهة كالقنابل الارتجاجية والصواريخ، مشيرًا إلى أن الصواريخ ربما تضاهي في قوتها ضربة زلزالية بحجم 6 ريختر.
وبحسب شربجي، فإن الصدمات التي تؤثر على “الجملة الإنشائية” للبناء (وهي الأساسات والأعمدة والجسور) تؤدي إلى انخفاض قدرة تحمل البناء، وأي عنصر يتضرر من هذه العناصر الثلاثة فمن الممكن أن يصبح البناء قابلًا للسقوط في أي لحظة بحسب حجم هذا الضرر.
وتصنف الأبنية في سوريا بشكل عام ضمن فئتين: الأولى مرخصة، والثانية عشوائية، ويتحمل المهندسون مسؤولية الأبنية ضمن الفئة المرخصة في حال كان سبب الانهيار العوامل الطبيعية، أما بالنسبة للأبنية العشوائية فيتحمل صاحب البناء (صاحب العلاقة) مسؤوليته.
وأشار شربجي إلى أن لكل بناء هوية، تتضمن رخصته وأسماء المهندسين العاملين عليه، ولها عمر محدد.
لكنه أوضح أن هذا التصنيف يشمل الحالة الطبيعية، أما في الحروب تتلقى الأبنية صدمات تكون غير مجهزة لتلقيها ما يؤدي إلى ضعف أساساتها وانهيارها في عدة ظروف.
كيف تقيّم الأبنية الآيلة للسقوط
يرى شربجي أن الأبنية المصابة بشكل مباشر وغير مباشر يجب أن تعرض للتقييم من قبل لجنة مختصة من مهندسين وفنيين، وفي حال تضرر الأعمدة الحاملة للبناء يجب تقييمها من الصفر وفحص الإسمنت في الجملة الإنشائية كاملة.
ومن الممكن أن تصاب التربة الحاملة للبناء بالقصف فتتأثر دون إصابة البناء بشكل مباشر، ما قد يؤدي إلى انهيار البناء، إذ تصبح الأساسات مرتكزة على تربة ليست صلبة، وبالتالي تصبح غير قادرة على حمل وزن البناء.
وتقسم الأضرار التي تسببها القنابل والمتفجرات إلى قسمين بحسب الشربجي، منها ما تراه العين بشكل ظاهر وأخرى غير ظاهرة، فالتشققات والهبوطات تقدرها لجنة فنية في عدة حالات، وإن كانت الجملة الإنشائية متضررة بشكل كبير فالأولى إزالة البناء لأن كلفة إعادة تأهيله أكبر من إعادة بنائه، أما إن كانت نسبة الضرر محدودة بجهة معينة فهي بحاجة تقرير فني لإعادة تأهيلها بشرط ألا تكون “الجملة الإنشائية” هي المتضررة.
أما حالات الضرر في الجدران وبعض الفجوات بالأسقف، فيمكن ترميمها بكلفة ليست كبيرة نسبيًا، ولا تؤثر على البناء بشكل مباشر.
ويبدأ تقييم البناء بشكل نظري بالبحث عن مؤشرات كالتشققات والإصابات بالتربة والميول والضغوطات، ثم يكشف الخبراء عن “الجملة الإنشائية” بشكل كامل، وبعد الكشف النظري يتم فحص الأعمدة والإسمنت عن طريق جهاز خاص اسمه “المطرقة” والذي يقيس مقاومة الإسمنت ويعطي تقريرًا جاهزًا عن جاهزية الأعمدة وحالتها.
ملف إعادة الإعمار
يقيّم خبراء اقتصاديون كلفة إعادة الإعمار في سوريا بشكل متفاوت وغير واضح، بسبب الضرر الذي لحق بالبنى التحتية جراء القصف والمعارك، وبسبب صعوبة الوصول إلى كل المناطق التي لا تزال غير مستقرة.
ونشر الاتحاد الأوروبي تقريرًا ذكر فيه أن تكلفة إعادة الإعمار ستبلغ نحو 200 مليون دولار، فيما اشترطت دول أوروبية حدوث انتقال سياسي حتى تسهم في العملية.
وأوضح المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، خلال كلمة له في مجلس الأمن، في كانون الأول الماضي، أن كلفة إعمار سوريا التي دمرت بنيتها التحتية بشكل شبه كامل ستبلغ نحو 250 مليون دولار.