السويداء – نور نادر
تخضع عشرات العائلات النازحة في مخيمات منطقة عرى، في ريف السويداء الجنوبي، إلى قوانين مستأجري أرض المخيم، الأمر الذي حولها إلى دويلات أو مقاطعات لمالكيها يجسدون بها عودة زمن الإقطاع.
“آغا، باشا، بيك” ألقاب أطلقت في زمن النظام الإقطاعي، الذي كان سائدًا في القرون الماضية، على مالكي مجموعة من الأراضي، يتحكمون بما فيها من عمال وأهالٍ يعملون مقابل الحصول على لقمة عيشهم أو يلزمون بضريبة تدفع بشكل سنوي.
هذه الألقاب عرفها جيل سوريا الجديد من المسلسلات الدرامية التي صورت زمن الإقطاعيين وعبيدهم، وظن البعض أنها ولت دون رجعة، لكن ما يعيشه أهالي مخيمات عرى في الوقت الحالي يثبت عكس ذلك.
الخوف من الطرد سبب الصمت
القصة بدأت مع وصول عشرات العائلات النازحة من مناطق مختلفة (دير الزور والحسكة ودرعا) إلى قرية عرى، التي تعد من المناطق الأكثر تمركزًا للنازحين في المنطقة منذ بداية الثورة السورية، نتيجة احتضانهم شعبيًا، وتأمين لوازمهم من قبل عائلة الأطرش في المنطقة وفي مقدمتهم، شبلي الأطرش، أحد وجهاء العائلة.
وتضم قرية عرى (على بعد عشرة كيلومترات جنوب غربي مدينة السويداء)، بحسب آخر إحصائية لمنظمات إغاثية محلية، نحو 527 أسرة نازحة يقطنون في بيوت مستأجرة داخل القرية، إضافة إلى إقامة عائلات في مخيمات شرق القرية وغربها.
المخيمات يشرف عليها أشخاص كانوا من أول الواصلين إلى المنطقة، استأجروا الأراضي من أصحابها الحقيقيين بموجب عقد رسمي، وبدأوا بتأجير مساحات منها لعائلات نازحة لنصب خيمهم مقابل العمل تحت إمرتهم وإلا سيكون مصيرهم الطرد.
عنب بلدي التقت بالمسؤول عن مخيم شرقي القرية، والذي يعرف بين النازحين بـ “أبو زيد”، واعتبر أنه يساعد النازحين عبر تأمين مكان لخيمهم، كما يؤمّن لهم العمل في المشاريع الزراعية على مدار العام، مشيرًا إلى أنه لا يطالبهم سوى بإيجار السيارة التي تقلهم إلى مكان العمل، وأجرة الأرض التي نصبوا خيمهم عليها، عبر تقسيم إيجار الأرض على عدد الخيم بالتساوي.
لكن أهالي المخيم نفوا لعنب بلدي ذلك، واعتبرت إحدى النازحات في المخيم، رفضت كشف اسمها، خوفًا من طردها من الأرض أو إيقاف عملها، أن “أبو زيد” يأخذ نصف ما تجنيه هي وزوجها من العمل في المشاريع الزراعية.
وقالت إنها تعمل مع زوجها وأولادها بأجرة 175 ليرة سورية في الساعة لكل شخص، يأخذ “أبو زيد” نصفها، مشيرة إلى أن القاطنين في المخيم لا يعلمون القيمة الحقيقية لإيجار الأرض، وهم فقط يدفعون ما يطلب منهم كل شهر دون اعتراض خوفًا من الطرد أو توقف العمل.
ونتيجة ذلك غادر عدد من الأهالي من أراضي أبو زيد، واستأجروا أرضًا قريبة من المخيم لتدبير شؤونهم، وأقاموا خيمة لتعليم الأطفال الكتابة والقراءة بدعم من بعض الجمعيات المحلية.
ثلاثة قطاعات.. انتهاكات بحق الأطفال والنساء
الوضع في المخيمات غربي القرية لا يختلف كثيرًا عن شرقها، إذ قسمت إلى ثلاثة قطاعات متجاورة، كل قطاع تحت إشراف أخ من الإخوة الثلاثة المعروفين بين النازحين بألقاب “أبو خليل”، “أبو أحمد”، “أبو ياسر”.
ويضم مخيم “أبو أحمد” 35 خيمة للنازحين (كل خيمة تحوي بين 5 إلى 7 أشخاص)، بينما يضم مخيم “أبو ياسر” تسع خيم، أما “أبو خليل” فكان صاحب الحصة الأكبر سابقًا بعدد المخيمات، لكن مع عودة أغلبية النازحين إلى موطنهم في دير الزور والحسكة، لم يتبق تحت إشرافه سوى 13 خيمة.
خالد أحد أطفال المخيم، رفض والده الكشف عن كنيته، قال لعنب بلدي إنهم يعملون كبارًا وصغارًا في المشاريع الزراعية التي يؤمّنها لهم مشرف المخيم، لكنهم لا يتلقون شيئًا من أجرهم، وسط حجج من المشرف بأنه يدفع عنهم إيجار الأرض وأجرة النقل إلى مكان العمل، كما يؤمّن لهم حاجياتهم الأساسية من طعام وصهاريج المياه.
ولم يقتصر الأمر على التحكم بلقمة النازحين، وإنما تعداه إلى التحرش بالنساء، بحسب ما قالت إحدى النازحات، التي رفضت الكشف عن اسمها، وقالت لعنب بلدي “أبو أحمد يبتز النساء في مخيمه، في حين يصدّر نفسه للناس أنه شيخ تقي يساعدنا مجانًا”.
ويحرص “أبو أحمد” على تتبع آثار أي شخص غريب يدخل المخيم، ويرافقه، كما يوجد في أي حديث يدور مع الناس حرصًا على عدم ذكر أي تفاصيل من شأنها إيقاع الضرر به.
محاولات غير كافية
وتبعد المخيمات عن الإطار الخدمي لقرية عرى، ما يدفع النازحين إلى شراء المياه على حسابهم، بينما أمّن لهم الهلال الأحمر في المنطقة خزانين سعة 25 برميلًا، يملؤها مرتين في الأسبوع، في حين يحتاجون 50 برميلًا لتأمين حاجياتهم اليومية.
أما الكهرباء فتم تمديد خط كهرباء من مدجنة تقع على بعد 450 مترًا من المخيم بموافقة صاحبها، وبلغت تكلفة تمديد الكبل الواحد 75 ألف ليرة، ما حرم غير القادر على دفع القيمة من الكهرباء، في حين تبلغ تكلفة فواتير الكهرباء في كل دورة 45 ألف ليرة سورية، تقسم بالتساوي على الخيم التي يصلها الكهرباء.