سوريا تبيع بالدَيْن وتُباع بالدَيْن

  • 2018/03/25
  • 1:31 ص
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

وأنا أقرأ التقرير الأممي الذي نشرته صحيفة عنب بلدي في موقعها الإلكتروني، وينص على أن أهل “فنلندا” هم الأكثر سعادة في العالم، حاولت أن أتخيل هيئة الإنسان الفنلندي السعيد، فقفزت إلى مخيلتي صورة تعبيرية قديمة كان جارنا “أبو السلوم” يعلقها في صدر دكانه، وهي مقسومة إلى قسمين، في القسم الأول رجل فارط من الضحك، وتحته عبارة “يبيع نقدًا”، وفي القسم الثاني رجل مهموم، يقطب حاجبيه ويتدلى بوزه إلى الأسفل، وتحته عبارة “يبيع بالدَيْن”.

ولدى متابعتي قراءة التقرير فوجئت بأن سوريا الأسد قد احتلت، من حيث السعادة، المرتبة الخمسين بعد المئة من أصل 158 بين سنتي 2015 و2017، وبالرجوع إلى تقرير سنة 2013 نجد أن ترتيب سوريا الأسد، كان 157، ولا يوجد وراءها غير دولة السنجال، فلو أن الأمم المتحدة أعطت، يومها، للدول المصنَّفة إيعازًا: “وراء دُرْ”، لاحتلت سوريا المركز الثاني بين الدول السعيدة، بعد السنجال!

سيطر تخيّلُ الرجل المهموم ذي البوز المتدلي على ساحة وعيي، فما عدت قادرًا على الخروج من فكرة أن سوريا بدأت “تَبيع بالدَيْن” من يوم أن استولى نظام حافظ الأسد الفاشستي على مقدراتها، فقد أطلق الأسد مجموعة من الشعارات من قبيل النضال، والكفاح، والتضحية، والفداء، والصمود، والتصدي، والشهادة في سبيل الله والوطن، و”كل شيء للقضية”… وأطلق كلابه في الشوارع، على حد تعبير الشيخ إمام، ليهينوا السوريين، ويشحطوهم إلى السجون والمعتقلات، على أن تُسدَّد لهم أثمان مصادرة حرياتهم وكراماتهم على هيئة صمود في وجه العدو الصهيوني وتصدٍّ للمؤامرات الإمبريالية والرجعية، في المستقبل… والذين سيقوا إلى الموت في لبنان، قيل لهم إن استشهادهم سيكون من أجل قضية العرب المركزية، فلسطين، ولنصرة القوى الوطنية اللبنانية التي تتعرض لحصار من القوى الانعزالية المدعومة من القوى الاستعمارية، ولا شك أنهم سيأخذون ثمن استشهادهم بعد أن تقوم الساعة، ويدخلوا الجنة بلا حساب، مع الأنبياء والشهداء والصديقين، ولكنهم، يا حبة عيني، قُتِلوا قبل أن يعرفوا أن الأسد قد دخل لبنان بتكليف أمريكي، وأجندة إسرائيلية، لذبح الفلسطينيين، والقوة الوطنية اللبنانية.

وفي سنة 2000، مات حافظ الأسد، بعد أن أوعز لأعضاء مجلس الشعب بأن يعدلوا الدستور بما يتلاءم مع تنصيب ابنه رئيسًا على الشعب، فورث الولد بشار الأسد الدولة السورية، حلالًا زلالًا، وراح يقول للسوريين إنه إذا كان أبوه قد أذلهم وأماتهم ووعدهم بنعيم الآخرة، فهو يعدهم بالدنيا والآخرة، وبعد أن وارب لهم بابًا صغيرًا على الحرية، بدأ يقشهم مثلما يقش “الوباء الأصفر” الناس، وحينما ثاروا عليه سرعان ما فتح باب المزاد على مصراعيه: اللي بده قاعدة عسكرية لخمسين سنة، يتفضل ويجي، واللي بده يهجر مواطنين ويوطن مواطنين مكانهم، يا مرحبا، واللي بده تقسيم يقسم، واللي بده منطقة نفوذ ياخد، المهم أن يقفوا معه، ويساعدوه على قتل هذا الشعب الذي سولت له نفسه، في يوم من الأيام، أن يتحرر من هذا الكابوس الفظيع.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي