حفلة التفاهة لـ ميلان كونديرا
يجمع ميلان كونديرا في روايته “حفلة التفاهة” عددًا من الشبان في العاصمة الفرنسية باريس، الذين تربطهم صداقات بشكل أو بآخر، ويضيف لمسته التاريخية السحرية بإيجاد رابط بينهم وبين جوزيف ستالين، الزعيم الديكتاتوري الذي حكم الاتحاد السوفييتي سابقًا.
ويقوم هذا الرابط على قصة كاذبة بشكل مفضوح كان يرويها ستالين لمستشاريه المقربين، ثم يتجسس عليهم ليستمتع بغضبهم وهم يشتمونه على كذبه.
وتدور القصة حول رحلة صيد لستالين اصطاد خلالها 24 طائرًا من الحجل، على دفعتين دون أن تتحرك من مكانها، وكأنها وقفت لتسمح له باصطيادها بأريحية كبيرة.
ويناقش كونديرا هذه القصة بأنها كانت مجرد مزحة من ستالين، وبالتأكيد لم تكن تروى على أنها قصة حقيقية، لكن وحشيته واستبداده أوصل حتى أقرب الناس إليه لمرحلة رفض المزاح، وكانت هذه الحادثة بداية لعصر خال من المرح، وفق ما تطرحه الرواية.
وتنشأ شخصيات الرواية بالتداخل مع هذه المرحلة من التاريخ، فبعضهم لا يستطيع تقبل المزاح، ورسمي لأبعد حد، والبعض الآخر يبحث بدأب عن حياة خفيفة وتافهة، تعطيه مساحة أكبر من الحرية.
وانطلاقًا من هذا الرأي يعرض الروائي علاقة شخصية بأمهاتهم وحبيباتهم وأصدقائهم، وحتى مهنهم التي يعملون بها، فالجدية والذكاء تدفع الإنسان لأن يكون ثقيلًا متحفظًا مراقبًا لكل تصرفاته، بينما تحرر التفاهة صاحبها والأشخاص المحيطين به، وتعطيهم متعة التعبير عن أنفسهم دون تكلف.
شخصيات كونديرا دائمًا إما تكون متهمة، أو تسعى للبراءة، والدليل الوحيد في هذه المحاكمة هو الغرائز البشرية التي يناقشها الروائي في جميع أعماله.
وفي سبيل هذه البراءة يحاول الجميع تنظيف سجلاتهم، بالمعنى الرمزي طبعًا، وهنا تظهر براعة كونديرا مرة أخرى.
يطرح الروائي شخصية “كالينين” المستشار المقرب من ستالين والمصاب بمرض البروستات، والشخص الوحيد الذي خلد اسمه بإطلاقه على عاصمة دولة بروسيا، كـ “شهيد نظافته الشخصية” كونه حارب وعانى لعدم التبول على نفسه أثناء أمسيات ستالين المطولة، ليس إرضاءً له فقط، بل حفاظًا على كرامته الشخصية أيضًا، في فترة كان الشغل الشاغل للجميع إرضاء الزعيم الديكتاتوري.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :