القامشلي – جوانا عيسى
في ظل التجاذبات السياسية والعسكرية التي يمر بها الملف الكردي في سوريا، تراجعت الاحتفالات في عيد النوروز هذا العام، في وقت يسلَّط فيه الضوء على معنى العيد ورمزيته لدى الكرد.
يحتفل الكرد في 21 من آذار من كل عام بعيد النوروز، وهو عيد تاريخي من أقدم وأقدس المناسبات الكردية المستنبطة من تراث المنطقة العريق.
ويتزامن النوروز مع اليوم الأول للسنة الكردية، ما يجعل منه عيدًا قوميًا، يحتفل به الكرد والفرس والإيزيديون حول العالم.
وترتبط احتفالات الشعوب الآسيوية خلال الربيع بالخصب وتجدد الحياة، لكن الأمر عند الكرد يأخذ طابعًا قوميًا خاصًا يتعلق بقضية التحرر من الظلم، وفقًا لأسطورة “كاوا الحداد”.
من هو كاوا الحداد؟
أتى ذكر كاوا الحداد في ملحمة “شاه ناماه” للفردوسي، كتمرد على طغيان الملك “ازدهاك”، الذي كان يحمل أفاعي على كتفيه، ويغذيها على أدمغة أطفال القرى.
ضحّى كاوا الحداد بـ 16 من أطفاله للملك، حتى وصل إلى طفلته الأخيرة فقرر أن يتخلص من هذه اللعنة التي حلت على قريتهم، على ما تقوله الأسطورة.
وقدم الحداد دماغ خروف للملك بدلًا من طفلته، واقتدى به جميع أهل القرية إلى أن شكل جيشًا من الأطفال، وقرر تحرير أهل القرية من طغيان الملك.
أشعل النار فوق سفح الجبل معلنًا انطلاق الثورة في 20-21 من آذار، وقتل الملك الظالم وحرر أهالي قريته من الظلم.
ولهذا السبب يشعل الكرد النار في ليلة نوروز، إحياءً لذكرى كاوا، الذي أصبح رمزًا، وإيمانًا منهم أن هذه النار يجب أن تبقى متقدة، لأنها نار الخلاص والتحرر من العبودية، وشرارة الثورة نصرةً للفقراء.
احتفالات نوروز في السنوات السابقة
استعاد أهالي القامشلي ذكرى كاوا في الليلة السابقة للنوروز، بإشعال النيران في القرى والمدن والبلدات والقمم والمرتفعات، والرقص مساءً على موسيقى المغني الكردي الشهير شفان برور، وغيره من الفنانين الذين غنوا لنوروز والقومية الكردية.
صبيحة العيد تجتمع العائلات ويلبس أفرادها اللباس التقليدي، ويذهبون إلى مكان محدد تجتمع فيه الفرق الفلكلورية للغناء والرقص وفق دبكات كردية، كما يقفون دقيقة صمت قبل البدء بالاحتفال ويخيمون حتى المساء ويقومون بغناء النشيد الوطني الكردي طيلة اليوم.
“منذ 2013 لم نعد نحتفل بعيد النوروز كما السابق، وذلك نتيجة المجازر التي تحدث” يقول أحمد علي من القامشلي في حديث له مع عنب بلدي.
“هناك خوف من التجمعات، لا سيما بعد مجزرة الحسكة التي جرت ليلة الاحتفال بالنوروز، إذ فجر انتحاري من داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) نفسه بين المحتفلين، راح ضحيته الكثير من المحتفلين”.
وتبنى تنظيم “الدولة” هجومًا مزدوجًا عشية الاحتفال بالنوروز في مدينة الحسكة، ما أدى إلى مقتل 45 شخصًا بينهم خمسة أطفال.
ويردف علي “بعدها اقتصرت الاحتفالات على التنزه بالطبيعة وإيقاد بعض الشموع”.
“هذه السنة ورغم ما جرى في عفرين وإسقاط تمثال كاوا الحداد، أصر بعض الأهالي على الاحتفال، فكاوا دلالة رمزية تم تشكيلها على مدى آلاف السنين، ولا يمكن تحطيمها بلحظة”، بحسب بهزاد عيسى، أحد مواطني القامشلي.
ويضيف “النوروز يرمز للنضال، وهذه الخسارات في عفرين مؤقتة لا يمكن أن نعوّد أبناءنا عليها، بل نعوّدهم أن عفرين لأهلها الذين نزحوا من منازلهم”.
أثرت ظروف البلاد منذ ثماني سنوات على شكل الاحتفال بالنوروز خاصة مع الهجرة والغربة والموت، لكن هذا لم يمنع الأهالي من الاحتفال، حتى وإن كان بشكل مختلف عن السابق لكنهم حافظوا على المعنى الرمزي للتحرر.