حقوق الأخ الأكبر.. مبادرة الائتلاف الإعلامية

  • 2014/10/26
  • 8:42 م

عنب بلدي – العدد 140 – الأحد 26/10/2014 

الشبكة السورية للإعلام المطبوع

وصف جورج أورويل في روايته “ونستون سميث” بشكلٍ دقيق تحول القيم البشرية إلى أمور هامشية، ومن ثم سطوة الأحزاب السلطوية والشمولية على الناس والشعوب ليكونوا أرقامًا هامشية في الحياة بلا مشاعر أو عواطف بلا طموحات أو آمال، حيث يعملون كالآلات خوفًا من الأخ الأكبر.

حقوق الأخ الأكبر أو بوصفها الاشتراكي “النزعة المركزية” لا يتسم بها رجال دولة الأسد وحدهم، بل هي ثقافة المجتمع الذي يحكمه الأسد والأسديون، أنتجت، وما زالت، مجموعة مكررة من البديهيات التي لا تعدو أن تكون شعارات رديئة حول الرعب من التعدد والاختلاف، وبالتالي ضرورة توحيد وهيكلة وتنظيم عمل مؤسسات الثورة المدنية والعسكرية.

في شهر آذار 2014 التقى عدد من رؤساء تحرير صحف الإعلام البديل مصادفة مع عضو الائتلاف الوطني فايز سارة في أحد مقاهي اسطنبول، ولدى معاتبته لتقصير الائتلاف في اعتبار صحف الثورة والاعتراف بها أو المساهمة بدعمها ولو معنويًا، شكك الأخير بمهنية هذه الوسائل، رغم اعترافه بعدم معرفة أسمائها أو متابعة أي منها.

وحمّل سارة الصحف مسؤولية التقصير في تقديم نفسها وطرح المبادرات الجديرة بالاهتمام، متعهدًا، بصفته عضوًا للائتلاف ومستشارًا إعلاميًا لرئيسه، بتنظيم ملتقىً يجمع الائتلاف بوسائل الإعلام البديل، فيما لو تقدمت هذه الوسائل بمبادرة جادة بهذا الخصوص.

لم تأخذ المسألة أكثر من يوم واحد حتى كانت المبادرة جاهزة في بريد سارة، وتم التأكيد على استلامها هاتفيًا، وجدد المستشار وعده بتنظيم الملتقى في تركيا (غازي عنتاب أو اسطنبول).

وبعد تجاهل المبادرة وفشل مؤسسات المعارضة الرسمية باحتواء أو تنظيم الجهود والمبادرات الإعلامية التي أطلقها السوريون على هامش الثورة، بدأت مجموعة شارك فيها أكثر من 30 وسيلة إعلامية بينهم أعضاء من رابطة الصحفيين السوريين بالعمل على “ميثاق شرف إعلامي” يحدد الخطوط الرئيسية لإعلام احترافي في سوريا.

بالتزامن مع ذلك أعادت الشبكة السورية للإعلام المطبوع، المكونة من صحف (سوريتنا، عنب بلدي، تمدن، كلنا سوريون، صدى الشام)، إرسال مبادرة آذار التي تدعو الائتلاف الوطني لتنظيم ملتقى إعلامي يضم وسائل محلية مستقلة وأخرى حزبية، ويتناول إشكاليات التغطية الإعلامية في الداخل السوري، ويبحث في العلاقة ما بين وسائل الإعلام المحلية والهيئات السياسية للمعارضة السورية، وسبل تعزيز التعاون والتنسيق فيما بينها بما يضمن استقلاليتها ويتيح لها الاستفادة من علاقات ونفوذ الائتلاف وقدراته التنظيمية لدعم ورفد وتمويل الإعلام المستقل الناشئ في سوريا.

وتضمن المقترح، الذي أرسل إلى فايز سارة مجددًا وأكد استلامه، دعوة 15 وسيلة مطبوعة، و 8 وسائل إعلام مرئية ومسموعة و 8 وكالات أنباء، تم تسميتها جميعًا.

لكن ما حصل في المرة الأولى تكرر في الثانية، فالمبادرة ظلت خبيئة بريد المستشار الإعلامي، الذي لم يبد أي اكتراث بها، كما لم يقم -على الأقل- بتحويلها إلى مكتب الائتلاف الإعلامي الذي قال مديره التنفيذي إنه لم يعلم بالمبادرة من أساسها.

في 18 تشرين الأول الجاري أعلن الائتلاف الوطني إطلاق مؤتمر صناعة الإعلام الوطني بهدف “وضع استراتيجية كاملة لصناعة خطاب إعلامي متوازن وغير إلغائي وقادر على قيادة الوطن” كما جاء في تصريح رئيس الائتلاف هادي البحرة في افتتاح المؤتمر.

وتضمن المؤتمر، الذي عقد في اسطنبول واستمر لثلاثة أيام وبلغت تكاليفه 200 ألف دولار بحسب معلومات تداولها إعلاميون ولم ينفها الائتلاف، تضمن ورشات عمل استقدم إليها خبراء وأكاديميون إعلاميون سوريون، أجمعت عدة وسائل محلية أن غالبيتهم غير مؤثرين أو مساهمين بصناعة إعلام الثورة، في تجاهل غير مبرر لعشرات الوسائل المحلية التي تمت الإشارة إلى بعضها في مبادرة الشبكة، والتي تعمل بالقرب من مؤسسات الائتلاف أو داخل الأراضي السورية.

في تعليقه على المؤتمر قال سارة (الذي شارك في المؤتمر) إن هذه الخطوة “ضرورية ولازمة في هذه المرحلة، والتي كان لابدّ من الشروع بها منذ زمن بعيد، ولكن الوصول متأخرين خير من عدم الوصول”، لكنه في اتصال هاتفي أجراه معه ممثل الشبكة السورية للإعلام المطبوع عقب انتهاء المؤتمر، قال سارة بشكل واضح: “بصراحة نسيت مبادرتكم”.

إذن، الأكاديميون وذوو الخبرة من المقربين منه هم من يرى فيهم الائتلاف أن يجتمعوا لتقرير استراتيجيات الإعلام الوطني، أما بقية الإعلاميين ووسائل الإعلام البديل والمنابر المحلية، فغالبًا سيفكر منظموا المؤتمر بإلحاقهم بما أجمعوا عليه، حين يأتي الوقت المناسب.

سبب هذا النشاز الذي نعرضه وينفّر ائتلافـ “نا” منا، هو استقلاليتنا لا أكثر، ويدل على ذلك أبلغ دلالة قول السيد فايز سارة خلال الاجتماع: “إنّ هذه الشراكة لا بد أن تقوم تحت رعاية ثلة من الخبراء والأكاديميين في المجال الإعلامي لتحديد الوجهة الإعلامية لأشرعة الثورة بطريقة مدروسة ومتقنة”، وفق ما نقل المكتب الإعلامي للائتلاف.

من غير المبالغ فيه القول، إن لحظة من لحظات المواجهة بين سلطوية أجهزة الائتلاف لمركزة العمل وتذويب فعالياتنا المتعددة والمختلفة كسوريين في قناة الخطاب الواحد، وبين النزعة الثورية للتحرر من القوالب، وتطوير أشكال تعبير مستقلة وغير خاضعة للتوجيه، تحين اليوم.

لا آباء في سوريا الآن؛ ونحن المستقلون، برواياتنا المتنوعة للحدث، باختلافنا وعدم تجانسنا، بحماستنا وطيشنا وانعدام مهنيتنا، نحن حملة الكاميرات والمسجلات الصغيرة، والأقلام، والأسماء المبالغ فيها، غير القابلين للضبط والتوجيه، نحن الجسم الأكبر الذي عليه تنهض تجربة الثورة السورية الإعلامية، من الناشطين المحليين والمراسلين والمواطنين الصحفيين، أنشأنا صحفنا ومنابرنا لننقل صورة عنا ونمكن أنفسنا والناس من التعبير والقول.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي