عنب بلدي – العدد 140 – الأحد 26/10/2014
– بإمكان “النازح” السائح الحصول على غرفة في فندق 5 نجوم كانت تكلفتها 180 دولارًا بالليلة وأصبحت 30 دولارًا فقط، في حال كان الإيجار شهريًا
– حوالي 330 مليار ليرة، قيمة الخسائر التي لحقت بقطاع السياحة السورية حتى نهاية شهر آب 2013
– خسائر الخزينة السورية من القطاع السياحي السوري تتجاوز 25 مليار دولار، خلال عامي 2013 و2014
– نسبة تشغيل الفنادق في العاصمة اللبنانية بيروت ارتفعت لتصل إلى 70%، بعدما كانت 20% قبل قدوم المهجرين السوريين
مرت على عليا، وهي موظفة استقبال ضمن فندق دمشقي كبير، ليالٍ عدة شعرت خلالها بـ “الوحشة” خلال العمل، لينقذ وحشتها موجات النزوح السوري، التي بدأت أولى رحلاتها من محافظة حمص قبل سنتين، فامتلأت غرف الفندق بعائلات، محملة بالأكياس والحقائب.
وبعد فترة تزايدت موجات النزوح من حلب وإدلب وريف دمشق والعديد من المحافظات السورية، حتى أصبح بالإمكان رؤية السيارات بلوحات المحافظات المختلفة.
وعليه فاقت موجات النزوح مئات الألوف في فنادق العاصمة دمشق، لكنها احتكرت من قبل الطبقة الميسورة.
ومن هنا تحاول عنب بلدي عبر تحقيقها التالي: بحث تأثير النازحين على القطاع السياحي في سوريا، من خلال معرفة مدى تعويضهم لخسائر القطاع السياحي، وكيف كانت استراتيجية التسعير الفندقي معهم، وخسائر القطاع السياحي في سوريا نتيجة الحرب، إضافة لدور النازحين السوريين في أزمة السياحة اللبنانية.
- الزبون “النازح”
بعد الاشتباكات المسلحة، وقصف النظام للمناطق الخارجة عن سيطرته، بدأت موجات النزوح من جميع المحافظات إلى دمشق، تبعها نزوح من حي دمشقي لآخر.
ومع كل موجة نزوح، يصنف النازحون حسب قدرتهم المادية؛ منهم من يفترش الحدائق، وآخرون ينتهون بالفنادق، وهؤلاء لم يعاملوا كنازحين، وإنما كزبائن.
ومن هنا يقول عمر، وهو مستثمر في القطاع الفندقي “عوَّض نازحو حمص، وريف دمشق خسائر القطاع الفندقي نوعًا مًا، خاصة فيما يتعلق بالنفقات الأساسية”، في حين أغلقت بعض الفنادق تجنبًا لأي خسائر إضافية تأثرًا بمجريات المعارك، بينما حوّل آخرون فنادقهم إلى مطاعم لتقليل الخسائر.
- نزيل بإيجار شهري
ومع استمرار المعارك في مناطق النازحين، فاوضت عائلات عدة، أصحاب الفنادق على الأسعار كونها ستبقى مدة طويلة، حتى انتهى البعض بما يشبه الإيجار الشهري.
بينما استأجرت عائلات أخرى شققًا مفروشة، أو سافرت خارج القطر، بعدما أصبحت العودة إلى بيوتهم ومدنهم شبه مستحيلة خصوصًا وأن نسبة كبيرة من البنية التحتية أضحت ركامًا.
ولهذا استأجر المحامي حسان وعائلته في أحد فنادق دمشق، لكنه يعتقد أنه “ليس شرطًا أن يكون النزيل نازحًا غنيًا، فنسبة كبيرة من نزلاء الفنادق، ذات النجمتين والثلاثة، من الطبقة الوسطى، التي تملك مدخرات قليلة، سرعان ما تنفذ مع طول عمر الإقامة”.
وعليه حاول حسان البحث عن شقة مفروشة داخل دمشق القديمة الأكثر هدوءًا وأمنًا، لكن أسعارها كانت سياحية أيضًا، حيث تراوحت بين 500 إلى 1000 دولار.
ونتيجة فقر حال معظم النازحين وانعدام السياحة الخارجية، فرضت تخفيضات على الأجر الفندقي، حتى أصبح بإمكان النازح “السائح”، الحصول على غرفة في فندق 5 نجوم، كانت تكلفتها 180 دولارًا بالليلة، بـ 30 دولارًا فقط، في حال كان الإيجار شهريًا، والدفع مقدمًا.
وبناء على ذلك تؤكد إلهام، وهي سيدة أعمال تقيم في فندق داخل دمشق القديمة منذ سنة، أنها اعتادت الفندق، ولا تفضل السكن في أي شقة فاخرة، “ليس بغية التنعم بالحياة، لكن الأجر انخفض لأكثر من الثلثين عن الأوقات الاعتيادية، خاصة داخل دمشق القديمة”,
- خسائر باعتراف وزير السياحة
بدوره أكد بشر يازجي، وزير السياحة في حكومة الأسد، أن الخسائر التي لحقت في قطاع السياحة حتى نهاية آب 2013، بلغت حوالي 330 مليار ليرة سورية، مشيرًا إلى انخفاض كبير في القدوم السياحي، والذي وصل إلى 95 بالمئة.
ونوّه يازجي إلى توقف 370 منشأة سياحية خلال الأزمة، ما أسفر عن انتشار البطالة وخروج حوالي ربع مليون عامل عاطل عن العمل بسبب فقدان هذا القطاع بريقه، مؤكدًا أن القطاع السياحي كان يساهم بأكثر من 14% من الناتج المحلي.
- فقدان السياحة أضاع الاقتصاد
تأتي المشكلة الرئيسية للاقتصاد السوري من قطاع السياحة المغمى عليه، والذي يشكل رافدًا رئيسًا من إيرادات “نظام الأسد”.
ومع تأثر القطاع النفطي جراء فرض العقوبات الغربية، من جهة، وتدني العوائد السياحية من جهة أخرى، يرى الخبير الاقتصادي، عبد الله (الذي رفض التصريح باسمه الكامل لأسباب أمنية)، أن خسائر الخزينة السورية من القطاع السياحي السوري تتجاوز 25 مليار دولار، خلال عامي 2013 – 2014، بعد أن تجاوز عدد السياح 8.5 مليون سائح عام 2010 بمعدل إنفاق تجاوز المليار دولار، وعائدات 7.7 مليار دولار.
إلا أن معدل الإنفاق الحالي وصل إلى 90 مليون دولار فقط، بعد فقدان القدوم الأوروبي، الذي يعتبر السوق الرئيسية للسياحة السورية، ما دفع عددًا من المراقبين إلى تأكيد دخول الاقتصاد السوري “المنطقة الرمادية” داخل مرحلة الانكماش، في وقت يحذر آخرون فيه من عواقب التراجع الحاد للسياحة في البلاد، التي تشكل تقريبا 23% من إجمالي إيرادات الخزينة من النقد الأجنبي.
- أقل تراجع “للعراق وإيران”
يبدو من نسب وزارة السياحة في حكومة الأسد، أن دول الخليج العربي عزفت عن زيارة سوريا، بنسبة 85% عام 2011، مقارنة بعام 2010، وبنسبة تصل إلى صفر بالمئة 2012، 2013، و2014.
وفي ذلك خسارة كبيرة للقطاع السياحي السوري، واستثماراته الفندقية، لاسيما الترفيهية، إن صح التعبير؛ حيث كانت نوادٍ ومطاعم صيفية، تخدم السياح الخليجيين على وجه الخصوص.
بالمقابل فإن أقل نسب السياح انخفاضًا كانت للعراق، بتراجع 19%، وسط ضبابية في أعداد العراقيين، لدى وزارة السياحة، سيما أن نسبة كبيرة من القادمين مقاتلون، وليسوا سياحًا.
بينما انخفض القدوم السياحي الديني الإيراني بنسبة 38٪، علمًا أن هذا التواجد اقتصر على دمشق، ويرى الكثير من المحللين السياسيين، أن هذا يرتبط يتواجد عدد من العراقيين والإيرانيين للقتال إلى جانب النظام السوري، و”حماية بعض المزارات الشيعية” وليس من أجل السياحة.
- مصائب قوم في لبنان فوائد
تعتمد بلاد الأرز على السائح الخليجي، التي افتقدته بسبب الحرب في سوريا، المتداخلة تاريخًا وجغرافية، إضافة للتهديدات من قبل بعض الفصائل اللبنانية للسياح الخليجين.
لكن استمرار نزوح السوريين، نشط بعض فنادق لبنان، لتنتعش فنادق وشقق بحمدون، جونيه، زيتونه بيه، شارع الحمرا، وغيرها من المناطق الأقل كلفة.
وهو ما أسماه أصحاب القطاع السياحي هناك “بالسياحة القسرية للنازحين الشاميين”، من ذوي الطبقة المقتدرة، وعليه قال علي الخلف أحد مالكي الفنادق في بيروت، إن “نسبة تشغيل الفنادق في العاصمة بيروت ارتفعت لتصل إلى 70%، بعدما كانت 20% قبل قدوم النازحين السوريين، فيما ارتفعت في منطقة جبل لبنان من 20 إلى 55%، بعد النزوح الأخير للسوريين إلى هذه المنطقة؛ مؤكّدًا أنّ قرارًا اتخذ، بتخفيض الأسعار في الفنادق بين 25 إلى 50%.
- الضرائب ضحية!
ويؤكد عمر فضلية وهو خبير اقتصادي، أن بعض الفنادق في سوريا، عملت لتعويض خسائرها على عدم إدخال بيانات نزلائها على القيود الضريبية، متذرعين بعدم وجود دعم حكومي للقطاع الخاسر.
وهو ما يدفعهم للتحايل كسبًا لبعض المال، مستفيدين من رضا الزبون، غير القادر على دفع التعرفة المقررة من وزارة السياحة، والمتراوحة بين 40 دولارًا، و200 دولار للغرفة المزدوجة.
- كلما ساءت الأوضاع تمتلئ الفنادق
تدرك عليا، موظفة الاستقبال، أن لا وحشة بعد اليوم في فندقها، طالما أن أوضاع البلد تزداد سوءًا، فهناك من يبحث عن ملاذ آمن، لكنها تخشى نفاذ مدخرات الطبقة الميسورة، التي بدأت معاناتها تظهر للعلن، في ظل حالة الشلل التي أصابت القطاع الخاص، ومنشآته، وتسرب ثرواته، ورؤوس أمواله، مع أصحابه خارج الوطن.