عنب بلدي – العدد 140 – الأحد 26/10/2014
التفاعل هو حيوية الحياة… التفاعل من أجل العيش في وطن وفق التعايش بفرادة ذاتية حرة وبروح جماعية متعاونة، فلا يمكن قتل الحرية الفردية بالتقليد ونسخ أنفسنا في الآخرين ولا يمكن تذويب الآخرين فينا أو محوهم من الوجود، كما لا يمكن العيش بمفردنا بمنأى عن البشر، ولا يمكن أن تموت ذاتنا في حمى الجموع.
لنا في الطبيعة عبرة ومثال، الطبيعة حولنا تسير على قانون التنوع والتطور وتوازنات التناغم ولم شمل الاختلافات، وأنت أيتها المرأة روح الطبيعة؛ ففيك الخصب والتجديد وإنجاب الحياة والأجيال، أنت القادرة على بناء التعايش ووطن الجميع؛ لأنك المربية التي تتعهد الأفراد والأجيال بالرعاية والتنشئة.
الإنسان بين يديك، والإنسان إنسان، أينما كان ومن حيث أتى، هو كامل الإنسانية بغض النظر عن أصله وعرقه ومذهبه وجنسه. من حقه أن يحظى بكامل حقوقه الاجتماعية والمجتمعية والوطنية. فابدئي بناء مجتمعك الجديد ببناء إنسانك وتعزيز مفهوم قبول الآخر المختلف والمشابه واحترام حقه الكامل في الوجود وشروط العيش الكريم. اللاقبول هو منطلف العصبيّة؛ فرفض الآخر وكرهه تسويغ ظلمه وممارسة التمييز بحقّه والتعالي على كرامته، يؤدّي إلى كوارث صحية تفتك بالمجتمع والإنسان وتهدّد الأمن والسلم لعقود.
لكنك لن تعلّمي إنسانك تعايش التسويات الذليلة ولا تعايش الانكسار للقوي والانصياع للظالم وقبول الفساد. إنه تعايش الإنسان بكرامة وعزة وحق، فساعدي إنسانك ليكون إنسانًا، بألا يفقد بصره ورؤيته بظلامية العصبية والعنصريّة، عندما لا يعترف بإنسانية الآخر ولا يساويها بإنسانيته، ويصر على نبذ المختلف أو إقصاء البعيد عن فكره ومعتقده وقوميته بحجّة الأفضليّة والتفوّق وشرعيّة الأحقيّة. لا أحد أفضل من أحد إلا بما ينجزه وبما يفعله ويقدمه للحياة وللواقع والمجتمع والعالم حوله.
فكرة المسؤولية وإرادة الحريّة هي رحيق التعايش؛ تتمثّل في موقف الإنسان من نفسه ومن الآخر المختلف ومن دوره وواجبه وحقه، فله أن يمارس معتقداته وطقوسه وشعائره ولغته وفكره في محيطه ومجتمعه؛ لكنّه بالمقابل يحترم ممارسات الآخرين لمعتقداتهم وطقوسهم وشعائرهم ضمن الصورة العامة التي اتفق عليها أبناء المجتمع، ووفق أعرافها السياسية والأخلاقية والقانونيّة المنصوص عليها بموافقة إرادة الشعب. عليك أنت أن تؤمني بهذا يقينا، وتعلميه لإنسانك وتدربيه عليه؛ لكي يحسن التواصل مع مجتمعه الواسع ويتشارك مع أفراده وجماعاته في العمل والمنجز، وفي المسؤوليات والالتزامات.
الوطن يتجسّد ويتموضع ويبقى بالتعايش، والتعايش ثقافة وتربية. إيمانك العميق أيتها المرأة بالتعايش العادل السلمي، سيمنحك القدرة على إصلاح الذات التي تلطخت بالثأر والحقد والكره نتيجة الحرب وويلات الحرب وتشوّهات النزاع الأهلي. تخيلي عالمًا بلا تعايش.. هل يمكن أن تترعرع فيه أجيال طبيعية وأمة آمنة ناجحة؟ العنف وليد الظلم والتطرف. ليس أمامك لكي تحملي المستقبل إلى محطة الخلاص والنجاح سوى أن تعملي على بناء قيم الحرية والعدل وممارستها، والانفتاح على الشركاء الآخرين في الوطن. مادام هناك رابط من مبادئ عامة إنسانية ووطنيّة وأخلاقيّة، يمكنك تعزيز نمو المشتركات وتقصير مسافات التباعد والخلاف نتيجة الاختلافات. بيدك أنت أيتها المرأة تستطيع أن تنهض أمة، عندما تصنعين التعايش السليم الخلّاق الخالي من أي مكون فوقي أو إقصائي أو تحيّزي أو عصبوي.