في السويداء.. حيتان دون ماء ونصف موسم

  • 2018/03/18
  • 2:09 م

انخفاض منسوب المياه في سدي جيران والروم في السويداء - 27 شباط 2018 (عنب بلدي)

السويداء – نور نادر

“آذار سبع ثلجات كبار غير الصغار”، عبارة كان يرددها أهالي السويداء في السابق، إشارة الى وفرة شتاء المحافظة بالثلوج، لكن المحافظة الجبلية ذات الاقتصاد الزراعي، نجدها اليوم في طريقها نحو الجفاف في حال استمر التهاون في تقدير خطورة الموقف.

بحسب موقع الأرصاد الجوية في سوريا، وصل متوسط الأمطار للعام الحالي في مدينة السويداء إلى 199 ميلمترًا، وفي مدينة شهبا 191.5، أما في صلخد فسجّل إلى 217، وفي القرى الشمالية 97.5 ، وهو ما يظهر تراجعًا كبيرًا لمنسوب الأمطار بالمقارنة مع العام الماضي، ما يؤثر بشكل كبير على مصادر مياه الشرب وري المزروعات، حيث تعتمد السويداء في ذلك على الآبار الجوفية التي خرج 67 منها عن الخدمة في المحافظة منذ عام 2011.

وفي محاولة لإصلاح قسم من هذه الآبار، يعمل فريق المياه والإصحاح التابع لـ “الهلال الأحمر”، والمؤلف من خمسة أفراد لإتمام تأهيل 16 مضخة غاطسة، بالتعاون مع اللجنة الدولية لـ “الصليب الأحمر”، بينما لا تقوم مؤسسة المياه بأي دور سوى التصريح والموافقة على عمل الفريق.

إضافة إلى ذلك، فإن أكبر السدود في السويداء لم يرتفع منسوبها هذا الشتاء، ما دفع مؤسسة المياه إلى استجرار مياه سد الروم لتكون مصدرًا للمياه المنزلية، رغم انتقادات بأنها غير صالحة للشرب، كما أنها لن تكفي صيف المدينة، ما ينذر بموجة عطش ستترافق مع ارتفاع أسعار المياه، ضمن معادلة الاقتصاد الخاضعة لسوق العرض والطلب.

“حيتان المياه” يسبحون

نشرت جريدة “البعث” الحكومية، في 27 من شباط الماضي، تقريرًا تتساءل فيه عن قصة “الحيتان والأسماك التي تسبح في مياه السويداء”، في إشارة إلى العاملين في مؤسسة المياه، والمسؤولين عن إصلاح الغطاسات بتكلفة 320 مليون في سنة 2017، كما تساءلت الجريدة عن سبب إصرار المؤسسة على إصلاح الغطاسات خارج المحافظة.

عقب ذلك شكلت المؤسسة لجنة لحفظ ماء الوجه مكونة من 14 مهندسًا، وعرضت بعض أسباب التأخر في عمليات الإصلاح، ومنها عدم المتابعة الميدانية للرؤساء في كل من قسم الآبار ودائرة الصيانة، وعدم تدريب وتأهيل العاملين المكلفين بالعمل في هذه الآبار.

وختمت مادة “البعث” بتلميحات لإقالة “الحيتان التي تعبث فسادًا في المؤسسة”، ما يذكر أهالي السويداء بإحدى حلقات مسلسل “الخربة” التي تنازل فيها أهالي القرية عن المطالبة بتغيير رئيس الناحية تدريجيًا إلى تغيير الميكروفون.

الماء يضاف إلى أعباء المعيشة

تقول السيدة مها التي تقطن في منطقة قريبة من مصادر المياه في السويداء، إنها اضطرت إلى التقديم على اشتراك ثان لمنزلها في دور المياه التي توزع بالصهاريج الصيف الماضي، وشراء حوالي 20 برميلًا كل شهر بمبلغ متوسطه خمسة آلاف ليرة.

ومع الإشارة إلى أن متوسّط دخل المواطن 30 ألف ليرة سورية شهريًا (56 دولارًا)، فإن مصاريف المياه تشكّل عبئًا إضافيًا على السكان.

وتضيف مها، التي رفضت الكشف عن اسمها الكامل لأسباب أمنية، بسخرية “كل أسرة أصبحت بحاجة لفرد متفرغ لمراقبة ترشيد استهلاك المياه وتنظيم دور الاستحمام والعمل على استخدام مياه الغسيل والتنظيف في دورات المياه عوضًا عن السيفون”، مؤكدة أن الأهالي يستعدون للعطش الذي ينتظرهم خلال الصيف.

ومع صعوبة تأمين المياه تمنع الحكومة حفر الآبار الخاصة، إذ يعد الحصول على ترخيص الحفر من المستحيلات، وذلك للحرص على عدم انخفاض منسوب المياه في بحيرة طبرية، الخاضعة لسلطة الاحتلال الإسرائيلي.

الأمن الغذائي في خطر

في دراسة أجرتها “منظمة الأغذية العالمية” (WFP) ظهر أن السويداء صاحبة أعلى نسبة خطورة على أمنها الغذائي من بين المحافظات السورية.

يقول المزارع “أبو عمر”، وهو من أصحاب الأراضي الزراعية في جنوبي السويداء، إن الأرض تحتاج لـ 50 سنتمترًا مكعبًا من المياه حتى تنتج موسمًا جيدًا، اعتاد عليه هو وأجداده من قبله، بينما لم تحصل الأرض في هذا العام على أكثر من 30 سنتمترًا كحد أقصى، ما يهدد بالحصول على “نصف موسم”.

أما السيد (ع. ن) وهو من أصحاب أراضي ظهر الجبل الواقع في الجنوب الشرقي للمحافظة، فيؤكد لعنب بلدي أن التفاح، الذي تشتهر المنطقة بزراعته، يحتاج الى درجة حرارة تحت الصفر لفترات طويلة للقضاء على الآفات والحشرات التي تصيب ثماره، كالبياض الدقيقي وحشرة دودة الثمار الربيعية التي تستمر للشهر الثامن وحشرة الأكاروز.

ويضيف أن ذوبان الثلج البطيء يساعد الأرض على الاستمرار في التروية لأطول مدة ممكنة، لافتًا إلى أن قلة الامطار لا تؤثر على الإثمار، ولكن تعمل على تقليص حجم الثمرة، ما يؤثر على جودة المحصول.

وفي ظل هذا التردي للواقع الزراعي الناتج عن شح المياه، يشار إلى أن أبناء السويداء ليس لهم موارد إلا أموال المغتربين والزراعة، فمع وصول عدد المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية إلى نحو 40 ألف شاب، أصبحوا الآن في حكم السجناء داخل محافظتهم، وبالتالي فهم ممنوعون من القيام بأي نشاط في العاصمة، ومجبرون على اللجوء إلى الزراعة كملاذ أخير.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية