الحسكة – جوانا عيسى
حملت مدينة الرقة بين طياتها مواقع أثرية جعلتها تحتل مرتبة متقدمة بين المحافظات السورية في احتواء الآثار، والتي تعود إلى تاريخ نشأة المدينة عام 242 قبل الميلاد.
وغيرت الأعوام السبعة الماضية كثيرًا من تلك الاعتبارات التاريخية بعد تجاذب مساحات السيطرة بين أطراف النزاع المختلفة التي تعاقبت على حكم المدينة.
باب بغداد، سور الرقة، قصر البنات، قلعة هرقلة، قلعة جعبر، مواقع أثرية ما زالت، رغم تعرضها للقصف الجوي والمدفعي، شاهدة على حقبة تاريخية تعني الكثير لأبناء المدينة، فيما اختفت غيرها من المواقع الأثرية منذ القدم.
منذ سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على مدينة الرقة عام 2014، تعرضت المواقع الأثرية فيها لانتهاكات عدة على يد أطراف النزاع المختلفة، بدأت بمحاولة التنظيم طمس معالم المدينة وتدمير الكثير من الآثار والتماثيل بحجة أنها “أصنام”، وانتهت بقصف جوي ومدفعي من قبل طيران النظام السوري وقوات التحالف الدولي بحجة القضاء على “الإرهاب”.
“صامدة كتاريخها”، بهاتين الكلمتين يصف أهالي مدينة الرقة حال مدينتهم التي ذاقت شتى أصناف الدمار حين اتخذها تنظيم “الدولة” عاصمة لخلافته طيلة ثلاثة أعوام، سيطرت بعدها “قوات سوريا الديمقراطية”، بدعم من التحالف الدولي، على المدينة في تشرين الأول 2017.
إسماعيل الحاج، أحد أبناء الرقة وصف لعنب بلدي مدينته بالقول “الرقة قديمة جدًا تحتوي على العديد من المعالم الأثرية كالسور القديم وباب بغداد وغيرها الكثير، وتعود أغلب هذه المعالم إلى العصر العباسي حينما اتخذ الخليفة العباسي هارون الرشيد الرقة، أو الرافقة كما كانت تدعى حينها، حاضرةً له، بسبب موقعها الاستراتيجي وجمال طبيعتها الذي يضفي لها الفرات رونقًا خاصًا”.
“لطالما استمدت الرقة قوتها من صمود آثارها”، يضيف الحاج، “فإذا كانت الآثار اليوم ما زالت صامدة بوجه كل ما مر عليها من الدمار رغم قدمها وأساسها الترابي الهش، فكيف بأبناء الرقة الذين لا يزالون يجددون العهد بالحياة كل يوم؟”.
وبلغ حجم الخسائر والأضرار التي طالت الآثار في سوريا، حسب إحصائية المديرية العامة للآثار، حتى منتصف 2015، حوالي 750 مبنى وموقعًا، منها 140 مبنى تاريخيًا، إضافة إلى أكثر من ألف محل في سوق حلب القديم.
ويوجد 48 متحفًا وموقعًا معدًا للزيارة تعرض قسم كبير منها للضرر جراء الحرب، أهمها متحف الرقة، إذ تمت سرقة حوالي ألف قطعة أثرية، إضافة إلى سرقة مستودعات “هرقلة”، الموجودة بجانب المدينة، وهي مستودعات كانت تحفظ فيها نتائج تنقيبات البعثات الأثرية التي تعمل في المحافظة.
أمل من نافذة التاريخ
ومن جهة أخرى، يقول أبو محمد، أحد سكان أحياء الرقة القديمة، والذي عايش فترة الصراع العسكري في السنوات السبع الأخيرة، “لطالما كان السور القديم الذي يجاور منزلي أملًا لي في الحياة، فإذا صمد هذا السور ذو التراب المهترئ فلا شك أنني سأنجو أنا وعائلتي”.
وتؤيد أم محمد كلام زوجها، ففي كل غارة تعرضت لها مدينة الرقة كانت ترتجف خوفًا على نفسها وأولادها وزوجها، المعيل الوحيد للأسرة، والذي كان يجلس أمام باب المنزل في أثناء الغارات، لكنها تتذكر “الكم الهائل من الطمأنينة الذي كان يريحني بها زوجي عندما يتحدث عن صمود السور القديم وباب بغداد وقصر البنات”.
“منطقيًا لو كان الموت والدمار مصير هذه المدينة، لتدمرت هذه المعالم القديمة ولكن في بقائها تكمن الحكمة في أن الحياة من غير أمل ما هي إلا موت متنكر بجسد الحياة”، تختم أم محمد كلامها.
يتوافد عشرات من أهالي مدينة الرقة يوميًا إلى منازلهم، وهم على قناعة أن روح هذه المدينة لن تنبعث من رمادها إلا عندما يجتمع أبناؤها يدًا بيد لإعمار المدينة مجددًا.