خطيب بدلة
ينص الخبر (الذي نشرته صحيفة عنب بلدي في 11 من آذار 2018) على أن الأوضاع الاقتصادية المتردية قد أجبرت شريحًة واسعة من أهالي محافظة درعا على تحويل سياراتهم الخاصة إلى سيارات نقل عامة، فلم تعد “التكاسي” الصفراء هي الوحيدة التي تعمل بالأجرة في هاتيك المناطق.
أولًا، أحب أن أشد على أيدي الأشخاص الذين لم يستسلموا لحالة الدمار التي أحدثها تمسّك ابن حافظ الأسد بالسلطة، وإصراره على متابعة تنفيذ مجزرته الكبرى بحق السوريين، وأراضيهم، ومواشيهم، ومعاملهم، ومستشفياتهم، ومساجدهم، وكنائسهم… وقد رضي هؤلاء الدرعاويون الأكارم أن يحولوا سياراتهم التي اشتروها أساسًا للمشاوير والنزهات العائلية (والفنكَرة) إلى سيارات أجرة، يشتغلون عليها إما في “الطلبات والتوصيلات”، أو في نقل الركاب بطريقة الهوب هوب.
ثانيًا، لعلمكم أن نقل الركاب في ريف إدلب الشمالي لم يبتدئ بالسيارات “العمومي” التي كانت في البداية تحتفظ بألوان المصنع، ثم صبغت باللون الأصفر بناء على قرار من وزارة المواصلات، وإنما بدأ بالسيارات الخاصة، لسببين رئيسيين، أولهما أن الدولة تفرض على السيارات “العمومي” ضريبة سنوية تصل إلى أربعة أضعاف الضريبة التي تفرضها على السيارات الخاصة، إضافة إلى أن هذه المنطقة لم يكن يأوي إليها شرطة المرور، ومن ثم فإن أصحاب السيارات لم يعتادوا على سماع صافرات الشرطة التي يليها تحرير ضبط، ثم دفع النقود لمديرية المالية، وحتى الرشاوى التي يأخذها عناصر الشرطة من السيارات، بطريقة المنشار الذي يأخذ قضمة في الذهاب وقضمة في الإياب، ليسوا مضطرين لدفعها.
ثالثًا، الحرب التي يشنها ابن حافظ الأسد على السوريين مزقت النسيج الاجتماعي الجميل للمجتمع السوري، محولة هذا النسيج إلى هلاهل بالية، ففي أواخر سنة 2012، ومطلع سنة 2013، كما روى لي أحد الأصدقاء، أغلق قسم كبير من أغنياء حلب (الزناكين) محلاتهم التجارية التي كانت مزدهرة، وتحولوا إلى بائعي بنزين ومازوت بالمفرق، ضمن براكيات صغيرة أعدتها البلدية للإيجار بالقرب من “دوار الموت”.
رابعًا، حمل “دوار الموت” هذا الاسم الغريب، بطريقة أظن أنها الأكثر غرابة في العالم عبر العصور. فحينما وضعوه في المدخل الغربي لمدينة حلب، قبل نحو ربع قرن من الزمن، لم يكلفوا خاطرهم بوضع شاخصة أو لوحة فوسفورية تشير إلى وجوده، ولذلك كانت تأتي السيارات من جهة طريق الشام، مسرعة، فتصطدم بالدوار، وبعدها يجري فرز الركاب: الميت إلى المقبرة، والجريح إلى المشفى! وأرجو ألا يتبادر إلى ذهن أحد منكم أن الجهات المسؤولة عن هذا الموضوع قد سارعت إلى وضع شاخصات مرور وعاكسات فوسفورية قبل الدوار منذ وقوع أول حادث.. أبدًا فلقد استمر هذا الحال زمنًا طويلًا، ومات بسببه خلق كثير.
خامسًا، حينما كنا نجلس في مقهى الثقافة بحلب، أيام الثورة، في النصف الأول من سنة 2012، ورد اسم الدوار، فقلت إن هذا اسمه “دوار الموت ولا المذلة”.
سادسًا، أخشى، الآن، أن يكون ابن حافظ الأسد، ووراءه إيران وروسيا والميليشيات، قد عدلوا اسمه ليصبح “دوار الموت والمذلة”!