مكاسب اقتصادية ينتظرها النظام في غوطة دمشق

  • 2018/03/18
  • 12:54 ص

فتى سوري يجمع الأغنام بالقرب من السيارات المتضررة في عين ترما بالغوطة الشرقية (فرانس برس)

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

ينتظر النظام السوري من محاولات بسط نفوذه على الغوطة الشرقية منافع اقتصادية، أولها مد العاصمة بإنتاج زراعي وحيواني وعودة عجلة الصناعة التي خسرتها دمشق خلال سنوات الحرب، إلى جانب طرقات اقتصادية حيوية تفتح العاصمة على الشمال السوري.

وشهدت المنطقة حصارًا بدأ في آب 2013، وتعرضت لهجمات متوالية للسيطرة عليها، آخرها بدأ في 18 شباط الماضي، ولا تزال مستمرة حتى اليوم، مسفرة عن مقتل أكثر من ألف مواطن، بحسب أرقام أممية ومحلية.

وتحولت بذلك من “أنهار جارية مخترقة وعيون سارحة متدفقة لم يكن على وجه الأرض مثلها”، كما وصفها سراج الدين ابن الوردي في كتابه “عجائب البلدان”، إلى “جحيم على الأرض” بفعل القصف والمعارك كما وصفها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في شباط الماضي.

رغم ذلك فإن حكومة النظام السوري تطمع بمكاسب اقتصادية، إلى جانب الأهداف السياسية والعسكرية بإخراج المعارضة من آخر قلاعها قرب دمشق.

سلة غذائية تراجعت 85 بالمئة

الغوطة كانت تعتبر سلة غذائية لمدينة دمشق نتيجة المساحات الزراعية الواسعة، إذ زادت الأراضي الزراعية المستثمرة في 2008 عن 5665 ألف هكتار، بحسب البيانات الإحصائية الصادرة عن وزارة الزراعة.

كما اشتهرت بثروتها الحيوانية، إذ كان داخل الغوطة في 2011 قرابة 120 ألف رأس بقر حلوب و200 ألف رأس غنم، لكن بفعل الحصار سجلت الأرقام انهيارًا بنسبة 85%، إذ لم يتبق في 2016 سوى سبعة آلاف رأس بقر و40 ألف رأس غنم، بحسب أرقام صادرة عن نقابة الأطباء البيطريين في الغوطة التابعة للمعارضة.

هل تتعافى أكبر المدن الصناعية؟

ضيق المساحات الصناعية في مدينة دمشق، دفع الصناعيين إلى إقامة مشاريعهم في الريف القريب من العاصمة وخاصة الغوطة، التي توافرت فيها ميزات مطلوبة لإنجاح المشاريع الصناعية.

وهذا ما أكده الباحث الاقتصادي يونس الكريم، الذي أوضح أن معظم الصناعات التقليدية التي كانت سوريا عامة ودمشق خاصة تشتهر بها، توجد في الغوطة مثل صناعة الخشب والموبيليا وصناعة الأغذية والمعلبات، مشيرًا إلى أهمية المنطقة الصناعية في عدرا (تل كردي) في الصناعة والتجارة.

وبالفعل توجهت حكومة النظام السوري، بعد سيطرته على مناطق في محيط العاصمة دمشق العام الماضي، إلى تدوير عجلة الاقتصاد في منشآت صناعية لرفد الخزينة مجددًا، ودعت شركات روسية لدعمها والاستثمار فيها.

أما المناطق القريبة من المنطقة الصناعية، والتي حل بمعاملها دمار ونقل جزء منها إلى مناطق سيطرة الفصائل، فعمل أصحابها على إثبات ملكيتهم للمنشآت الصناعية عبر أوراق من غرفة صناعة دمشق، ونقلوها إلى داخل المنطقة الصناعية، وبلغ عددها 437 منشأة، بحسب إدارة المدينة الصناعية في أواخر 2013.

وتعتبر المنطقة الصناعية في عدرا مركزًا صناعيًا مهمًا، كونها أكبر المدن الصناعية في سوريا بمساحة تصل إلى ثلاثة آلاف هكتار.

وتضم ستة آلاف موقع لمنشأة صناعية من مختلف أنواع الصناعات: هندسية ونسيجية وكيماوية وغذائية ومواد البناء ودباغات وسكب معادن وحرفية، بتكلفة تقديرية كاملة تصل إلى 30 مليار ليرة سورية، بحسب هيئة الاستثمار السورية.

الكريم أشار إلى أن حكومة النظام بدأت بدعوة التجار إلى العودة للمعامل المتوقفة في المنطقة الصناعية، معتبرًا أن هذا “سيظهر بأن الاقتصاد بدأ بالتعافي وأن المعارضة هزمت واستتب الأمر، ما يدفع إلى البدء بمشاريع إعادة الإعمار في المنطقة ودعوة الشركات الأجنبية”.

عصب حيوي شمال دمشق

السيطرة على منطقة الغوطة سيكون له أهمية سياسية وعسكرية للنظام السوري وحلفائه أكثر منها اقتصادية وخاصة عقب تدهور الثروة الحيوانية وانعدام صلاحية الأراضي للزراعة في الوقت القريب بسبب سياسة القصف المكثف (الأرض المحروقة) التي اتبعها النظام.

لكن بسط النظام سيطرته على الغوطة سيعيد الحركة إلى أوتوستراد حرستا، الذي يعتبر رئة دمشق الشمالية وطريقها الرئيسي إلى حمص ومحافظات الشمال، ما يعني أنه سيسهل حركة الدخول والخروج إلى وسط دمشق وخاصة للتجار والفلاحين القاصدين سوق الهال بعدما تحول طريقهم في السنوات الماضية إلى طرق فرعية قرب مدينة التل (تحويلة جسر بغداد).

إغلاق الطريق أدى إلى أضرار وصلت قيمتها، لغاية 31 من كانون الأول 2012، إلى حوالي 20 مليون ليرة سورية، وتوقف 1577 منشأة من أصل 1778 كانت تقلع بالبناء في مدينة عدرا الصناعية، و436 منشأة قيد الإنتاج، كما أدى إلى خسارة 39976 عاملًا وظائفهم من أصل 47220 عاملًا، بحسب بيانات وزارة الإدارة المحلية في حكومة النظام السوري.

تخوف من امتلاك النظام للأراضي

الأهمية الكبيرة للنظام بسيطرته على الغوطة، بحسب الكريم، تكمن في بسط يده على أملاك الأهالي النازحين وبدء السمسرة عليها لإعادة إعمارها، عبر إصدار قوانين تسمح له بذلك مستقبلًا، موضحًا أن هناك أراضي في الغوطة، هي أملاك دولة تابعة لعدة وزارات منها وزارة الأوقاف والزراعة وجهات أخرى، إضافة إلى وجود أراض زراعية غير مخصصة للبناء، ستتم السيطرة عليها من قبل مافيات اقتصادية مدعومة من الغرفة الاقتصادية في القصر الجمهوري، تحت حجج مختلفة لإقامة مشاريع كبيرة عليها.

ومن أجل ذلك، يعتقد الباحث الاقتصادي أن الحكومة قد تصدر مراسيم تشريعية تخولها من استملاك مساحات واسعة من الأراضي بحجة تنظيمها، كما حصل في أجزاء من مدينة داريا عندما أعلن معاون وزير الإدارة المحلية في حكومة النظام السوري، لؤي خريطة، عن تشكيل لجنة لدراسة تنظيم داريا وإدخالها ضمن المناطق التنظيمية لمدينة دمشق، ولا يبتعد هذا السيناريو كثيرًا عن منطقة خلف الرازي، الذي طبق عليها “المرسوم 66”.

تحسن متوقع لليرة.. لكنه مؤقت

وسائل إعلام محلية بدأت الحديث عن مرحلة ما بعد الغوطة والآثار الاقتصادية على دمشق.

موقع “سيريانديز” نقل عن أستاذ جامعي لم يذكر اسمه أن “السيطرة على المنطقة سيؤمّن فتح طرق استراتيجية تسهل حركة النقل والتجارة، إضافة إلى عودة المهن ضمن مناطق الغوطة للعمل، ومعامل المفروشات وقص الرخام والبلاط وغيرها من منشآت حيوية، وكذلك عملية ترميم المنازل”.

وأشار الموقع إلى أن كل ذلك سيحرك الأموال المجمدة في المنازل والبنوك وسيحرك أيضًا سوق الطلب على اليد العاملة، ما يعني ضخ كتله نقدية بالسوق السورية، وينعكس على سعر الليرة.

لكن الكريم اعتبر أن سيطرة النظام على الغوطة قد تدفع الليرة إلى التحسن لفترة وجيزة، لأسباب متعددة منها توقف مساعدات المنظمات الإنسانية التي كانت تذهب إلى أهالي الغوطة المحاصرين، إضافة إلى عدم وجود إنتاج مستقر يدعم الليرة السورية، مشيرًا إلى أن سوريا مضطرة إلى استيراد السلع والحاجات من الخارج ما سيزيد الطلب على الدولار، إضافة إلى أن قيمة العملة مرتبطة بوجود الدولة ومؤسساتها، متسائلًا “هل توجد دولة مركزية تدير السوق أم مافيات تتحكم بمصير الليرة؟”.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية