روسيا، والوقت الضائع !
محمود الزعبي
أكثر من 15 شهرًا مضت على بداية الثورة السورية، ولا يزال الوضع يزداد دمويةً وتعقيدًا، برغم كل الجهود لاحتواء الأزمة ووضع حد لإراقة الدماء. ورغم أن مشاهد المجازر الوحشية بحق مدنيين أبرياء، أثارت الرأي العام العالمي بسبب بشاعتها ووحشية مرتكبيها، إلّا أن تعقيد الوضع في سوريا وموقعها الجيوسياسي من المجتمع الدولي من القيام بأي خطوة عملية على الأرض، خاصة أن روسيا والصين تلوحان باستخدام الفيتو لإجهاض أي قرار دولي يسمح باستخدام القوة على غرار ما حدث في ليبيا.
إن ما يحدث في سوريا يتحول كل يوم باتجاه حرب أهلية طائفية بشعة، وربما تكون تلك المرحلة قد بدأت فعلًا ووصلت الأمور إلى نقطة تصعب العودة منها،
ما يحدث اليوم يبدو خارجًا عن المنطق السياسي الطبيعي، حيث النظام يزيد غرقه في مستنقع الدم السوري ولا يترك منفذًا ولو صغيرًا للخروج من هذا الجحيم الذي صنعه وينفخ فيه، بل ويصرّ على تسعيره، الأمر الذي لا يجد تفسيرًا سوى أن طائفية البعض التي شجعها رأس النظام وأطلق لها العنان باتت خارج سيطرته. بل بات يخضع لتقديراتها ورؤاها للصراع والحسم، ما يعني أن سوريا ستكون في المرحلة القادمة أمام مشهد المجازر المتنقلة، خصوصًا في مناطق التماسّ الطائفي، حيث تأخذ تفاعلات الأزمة بعدًا طائفيًا بامتياز يبحث له عن إطار جغرافي ومجالات حيوية وحدود واضحة. لذلك ربما يكون من الحكمة إعادة النظر في المسار السلمي السياسي الذي وضع أطره العامة كوفي عنان لحل الأزمة في سوريا قبل فوات الأوان.
إن المنطق يدعو إلى إيجاد حل عملي سياسي سريع، شرط ألا يكون على حساب العدالة وإهدار حقوق وتضحيات الشعب السوري.
مثير جدًا أن تدعو موسكو إلى مؤتمر دولي للضغط على أطراف المعارضة السورية في حين لم يعد الضغط ينفع اولاً بسبب طوفان الدم المتصاعد بوتيرة مرعبة، وثانيًا بعدما اتسعت رقعة الدمار والتهجير وغطت حرائق المواجهات المسلحة معظم الاراضي السورية، بينما كان في وسعها أن تختصر طريق الجلجلة والمآسي قبل أشهر بالضغط على النظام السوري كي يستجيب للبند الأول من خطة كوفي أنان.
وقد يكون من الضروي التذكير بأن مبادرة أنان كانت نتيجة إجماع عربي ودولي في مجلس الامن، وهو ما لا يتوافر للمشروع الروسي في الظروف الحالية، وخصوصًا عندما تصر موسكو على دعوة إيران، التي تعلن نفسها فريقًا إلى جانب النظام يقف في أعلى درجات الجاهزية للرد على أي ضربة خاطفة قد تستهدف النظام
يثير الدور الروسي في المنطقة العربية -في الفترة الراهنة- العديد من التساؤلات والنقاشات؛ ذلك أن المواقف الروسية ظهرت وكأنها تبطن العداء والممانعة أو على الأقل عدم الارتياح تجاه ما يحمله الربيع العربي من تطورات ومتغيرات جديدة، وتميزت تصريحات المسؤولين الروس بالريبة والحذر والتردد، فبدت غير مفهومة ومستهجنة من طرف غالبية الشعوب العربية، ولم تكن جملة المواقف التي صدرت من روسيا، سواء عن الكرملين أو عن الخارجية الروسية مبنية على أسس منهجية أو ضوابط معينة، وإن كانت محدداتها تتمحور حول مصالح الشركات الروسية أكثر من ارتباطها بمصالح روسيا الوطنية البعيدة المدى، إضافة إلى أنها عكست هواجس الحراك الداخلي في الاتحاد الروسي ومحيطه الحيوي، وما يفرضه الغرب الأوروبي والأطلسي من تحديات على قادة موسكو؛ لذلك راحوا يتحدثون عن مؤامرات أطلسية غربية تقف وراء الثورات والانتفاضات العربية.
ولا شك في أن جملة الاعتبارات التي تتحكم بالمواقف الروسية تجاه ما تحمله الثورات العربية من متغيرات، تشير إلى أن القيادة الروسية الحاكمة تفضل الاستقرار في المنطقة العربية، والركون إلى الاستثمار الذي تقدمه تحالفاتها وعلاقاتها مع الأنظمة العربية المتقادمة، على الرغم من الإشارات الخجولة إلى مطالب الشعوب المحقة واحتجاجاتها السلمية، فيما يشير واقع الحال إلى تفاوت الاهتمام الروسي بالانتفاضات والثورات التي عصفت بالأنظمة العربية منذ كانون الأول (ديسمبر) 2010، وأفضت إلى تغيير الأنظمة في كل من تونس ومصر وليبيا، وما زالت رياحها تجتاح اليمن وسوريا
إن على روسيا، إذا كانت جادة في طرحها لمؤتمر السلام، أن تعلن صراحة عن تأييدها لقرار دولي ملزم يجبر النظام السوري على الالتزام بمقررات مثل هذا المؤتمر الدولي.
آن للمجتمع الدولي أن يستمع لصرخات السوريين المطالبة بالحرية والعدالة وأن يؤدي واجبه ببذل كل جهدٍ لوقف معاناتهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :