تجار صنعهم الحصار  في سوريا

  • 2018/03/11
  • 12:39 ص

قوافل مساعدات تابعة للأمم المتحدة على معبر مخيم الوافدين شرق الغوطة الشرقية - (انترنت)

عنب بلدي – محمد حمص

أسهمت سياسة الحصار التي تتبعها أطراف النزاع في سوريا، ببروز أسماء جديدة لتجار جمعوا ثروات كبيرة نتيجة تحكمهم بأسعار المواد الداخلة إلى المناطق المحاصرة.

وبحسب تقرير لمنظمة “العفو الدولية”، في 24 من شباط الماضي، فمن أصل نحو 419 ألف شخص محاصرين في سوريا، يوجد نحو 400 ألف محاصرين من قبل القوات الحكومية في الغوطة الشرقية.

ويبدأ الحصار بمنع إدخال المواد الغذائية خاصة، الأمر الذي يؤدي إلى التضخم ويرفع أسعار السلع المتداولة يوميًا، ما يعود بالنفع على تجار محليين.

بقيت السيطرة الاقتصادية على معبر مخيم الوافدين في الفترة الممتدة بين منتصف 2014 حتى بداية هجوم قوات الأسد الأخير على الغوطة الشرقية، في شباط الماضي، بيد التاجر محيي الدين المنفوش صاحب شركة المراعي الدمشقية، الذي كان يتحكم أيضًا بإدخال الغذائيات إلى مدينة التل عبر حاجز طيبة.

التاجر كان يمتلك قبل عام 2011 مزرعة صغيرة للأبقار، ويصدّر إنتاجه إلى دمشق، أما الآن فلديه ما يزيد على ألف رأس ويسوّق إنتاجه في العاصمة وخارج سوريا، عدا مشاريع أخرى في الغوطة وخارجها.

درس المنفوش في كلية التجارة والاقتصاد بجامعة دمشق، ويبلغ من العمر 44 عامًا، وتقدر القوة العاملة في مصنع المراعي الدمشقية للألبان والأجبان بنحو 1500 عامل، بحسب معلومات عنب بلدي.

برز المنفوش كتاجر معروف مع بداية حصار الغوطة، وعقد صفقات مع ضباط في قوات الأسد، وبلغت أرباح آخر اتفاقية وقعت في تشرين الثاني 2017، نحو 20 مليون دولار أمريكي، تدفع أتاوات على إدخال بضائع وسلع غذائية إلى المنطقة المحاصرة.

وبلغت قيمة الأتاوة (الرسوم) على الكيلو غرام الواحد من المواد الداخلة عبر المعبر ألفي ليرة سورية تعود إلى النظام، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار.

وينافس المنفوش بهذه الصفقات حاليًا تجار ليسوا أقل قيمة منه، فالتاجر المعروف في الغوطة الشرقية باسم “عبد الدايم” من مدينة دوما، والذي شكل حرسًا شخصيًا مؤلفًا من 25 مسلحًا على الأقل، بعد حادثة هجوم أهالي من مدينة دوما على مستودعاته وتفريغها عقب حصار خانق أنهكهم، عام 2015.

تشارك “عبد الدايم” وتاجر آخر يعرف بـ “الوزير” في مدينة دوما للدخول بمنافسة المنفوش والسيطرة على معبر المخيم، وتمكنا من كسب المناقصة قبل الأخيرة منتصف 2017، إلا أن احتكارهما التجاري للمعبر لم يستمر أكثر من شهرين، لتعود الأمور بيد محيي الدين المنفوش كما كانت.

درويش يتحكم بمعبر استراتيجي

ومن الأسماء التي أدرجت تحت مصطلح “تجار الحرب”، عضو مجلس الشعب السابق أحمد درويش، الذي كان يشرف على قرية أبو دالي في ريف حماة الشمالي الشرقي، والتي كانت بمثابة “منطقة حرة” مملوءة بالبضائع تستفيد منها مختلف القوى على الأرض والمتمثلة بالمعارضة المسلحة وقوات الأسد.

ويعد طريق حماة- أبو دالي- المناطق المحررة، شريان حياة للتجار والمهربين على حد سواء، وتحول إلى معبر للتبادل التجاري بين مناطق المعارضة في إدلب وريفها وريف حماة الشمالي والغربي وبين مناطق النظام.

وكانت تدخل من مناطق المعارضة المواد الغذائية في حين يقابلها دخول المحروقات من جهة مناطق النظام، إضافة إلى تهريب المواطنين من مناطق سيطرة النظام وإيصالهم إلى المناطق المحررة شمال سوريا، مقابل مبالغ قد تفوق ثلاثة آلاف دولار، وجميع هذه الأعمال تتم تحت إشراف الشيخ أحمد درويش.

درويش من مواليد أبو دالي 1959، وهو شيخ عشيرة “بني عز”، ويحمل شهادة ثانوية فقط، ونجح في انتخابات مجلس الشعب في دورة 2012، عن فئة قطاع العمال والفلاحين، قبل أن يجمع حوله عددًا من العناصر ويصبح صاحب السلطة العسكرية في المنطقة، ويتحكم بشريان الحياة لمناطق المعارضة.

أرباح درويش والمبالغ المالية لا يمكن إحصاؤها، بحسب ما قاله تاجر محروقات رفض كشف اسمه، وأوضح لعنب بلدي أن درويش كان يغذي المنطقة الخاضعة لسيطرته والعناصر التابعين له من واردات المعبر، وكان يحدد لتجار تابعين له سعر مبيع المواد لتجار المناطق المعارضة (غاز وبنزين ودخان وسلاح) ويأخذ نسبة من الأرباح منهم.

لكن نفوذ درويش تراجع بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على المنطقة، في تشرين الثاني الماضي، قبل عودة سيطرة قوات الأسد عليها وتوسيع نفوذها بالمنطقة.

سيغاتي.. عسكري- اقتصادي

ريف حمص الشمالي الخاضع لسيطرة المعارضة والمحاصر أيضًا، لم يخل من أسماء تمكنت بفعل الحصار من جمع ثروة باهظة عبر التحكم بأسعار المواد الغذائية والأساسية الداخلة إلى المنطقة.

معبر تجاري يقع في ريف حماة الجنوبي في قرية خربة الجامع، يشرف عليه أحمد سيغاتي، نسبة إلى قرية سيغاتا في ريف حماة القريبة من مدينة مصياف وهو ينحدر منها.

وبحسب المعلومات التي تمكنت عنب بلدي من الحصول عليها، فإن سيغاتي، (30 عامًا)، يعمل تحت مظلة المخابرات الجوية، وهو من أبرز قادة ميليشيات “صقور الصحراء” في المنطقة الوسطى، والتي تخضع لقيادة العميد في قوات الأسد، سهيل الحسن الملقب بـ ”النمر”.

مصادر مطلعة على حياة سيغاتي قالت لعنب بلدي إنه كان راعيًا قبل الثورة السورية، ثم قاتل في صفوف قوات الأسد لعدة سنوات على جبهات ريف حماة الشمالي، وتحديدًا في مورك، قبل أن يتحول إلى المجال التجاري عن طريق السيطرة على المعابر التجارية في ريف حمص مستغلًا حواجز عسكرية تابعة له.

ويبيع سيغاتي المواد الغذائية من ريف حماة الجنوبي إلى تجار في منطقة الحولة الذين يقومون بدورهم ببيعها في بقية بلدات ريف حمص الشمالي.

وأكدت مصادر تجارية من داخل ريف حمص الشمالي لعنب بلدي أن سيغاتي يأخذ على كل سيارة تدخل إلى ريف حمص من نوع “كيا” أو “هوندا” مبلغًا لا يقل عن مليون ليرة سورية (تقريبًا ألفا دولار أمريكي)، وكلما زاد حجم السيارة زاد المبلغ.

وفي مناطق أخرى لم تظهر أسماء كبيرة، بل كانت حواجز قوات الأسد في محيطها هي اللاعب الرئيسي بالسوق.

“فرع فلسطين” للتجارة جنوبي دمشق

يفصل حاجز فرع فلسطين مناطق سيطرة المعارضة في يلدا وببيلا عن مناطق سيطرة النظام في العاصمة السورية دمشق، ولم تقتصر مهمة الحاجز على الجانب الأمني فقط، بل تعدت لتكون مهمة اقتصادية بمراقبة سيارات التجار الداخلة إلى المنطقة والخارجة منها.

عبدو زيتون ناشط من المنطقة ومطلع على حركة المعبر، قال لعنب بلدي إن النسبة التي يجنيها الحاجز على البضائع الداخلة إلى المنطقة وصلت بحدها الأقصى إلى 30% على الكيلو الواحد، بينما تقدر حاليًا بـ 10%.

وبحسب زيتون فإن الأسعار باتت قريبة مما هي عليه في دمشق، ولكن الحاجز ينال حصته على كل سيارة تدخل.

وعلى عكس الغوطة الشرقية لا يوجد تاجر وحيد، بل الكثير من رؤوس الأموال يستطيعون إدخال المواد، والموارد المالية تذهب بشكل أساسي للحاجز.

حال الحجر الأسود الواقع تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” لا تختلف كثيرًا عما هو الحال في ببيلا ويلدا إذ يخرج البائعون إلى دمشق ويعملون على إدخال بضائع إلى المنطقة، ورغم أن النسبة المدفوعة لحواجز النظام غير معروفة بشكل دقيق، فهي لا تختلف كثيرًا عن نسبة حاجز ببيلا.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية