قدّم الفيلسوف والأديب الفرنسي، ألبير كامو، في روايته “السقطة”، والتي تعتبر آخر عمل أدبي متكامل له، محكمةً للضمير والأخلاق الإنسانية بعد الحرب العالمية الثانية، وخلال الحرب الباردة.
فبطل الرواية، التي ظهرت عام 1956، “جان بابتيست كلامانس”، يعمل في مهنة “قاضٍ تائب” في العاصمة الهولندية أمستردام، بعد أن حقق نجاحًا باهرًا في مهنة المحاماة في باريس.
وفكرة الرواية تقوم على محاكمة أخلاق العصر في منتصف القرن العشرين، من خلال محاكمة ذاتية يقوم بها بطل الرواية، ويدين نفسه بها، ثم ينتقل ببراعة وخفة لإشراك الآخرين المحيطين به بـ “جرائمه” الأخلاقية.
الأسلوب السردي الذي اختاره كامو لتقديم روايته كان منسجمًا مع أهداف بطله “كلامنس”، فالقارئ يعلم أن البطل يتحدث مع شخص غريب تعرف عليه في حانة بأمستردام اسمها “مدينة المكسيك”، لكنه لا يسمع صوت هذا الغريب أبدًا.
وبهذه الطريقة تحولت الرواية إلى مناجاة داخلية مطولة للبطل، موجهة لمستمع ما هو إلا القارئ نفسه في حقيقة الأمر.
أما هدف البطل، فهو دفع محدثه إلى إدانة نفسه، والاعتراف بنقائصه، حتى يتمكن من الشعور بأنه أفضل من الآخرين، وهو ما يبدو أن كامو كان ينتظره من القارئ نفسه.
وتتناول الرواية أفكارًا تتعلق بالحرية والعدالة والمعنى والدين والسلم والحرب، من خلال مناقشة أحداث عاشها “كلامنس” في الماضي، كمساعدة المحتاجين، والتعامل بلطف من جميع الأشخاص، ولعبه دور “البابا” في أحد المعتقلات، وعلاقاته العاطفية، لكن هذه المرة لا يكتفي بسرد الأحداث كما ظهرت للعيان فقط، بل يتحدث عن دوافعه الخفية، التي كانت دنيئة ومريضة بالمجمل.
الرواية عبارة عن جلسة اعتراف طويلة، هدفها ليس بريئًا أيضًا، بل تسعى إلى توريط القارئ بهذه الاعترافات، ودفعه للاعتراف بأخطائه.