حكاية مدينة

  • 2014/10/19
  • 10:15 م

عنب بلدي – العدد 139 – الأحد 19/10/2014

محمد ديرانية

على بعد حوالي 14 كيلومترًا شمالي دمشق، وعلى الطريق المنطلق من مدينة بزرة، والذي يشق طريقه نحو مرتفعات القلمون، تقبع المدينة المطلة على مشارف الغوطة الدمشقية؛ والتي عرفت بنقاء هوائها وطيب جوها صيفًا، فكانت وجهة المصطافين من أبناء دمشق والمناطق المحيطة ومن السائحين. يتجاوز عدد سكانها من أهلها مئة وخمسين ألف نسمة، ويغلب فيها التوجه الديني نحو الإسلام السني الوسطي، كما يدرج التعبير.

مدينة التل هي مدار الكلام، حيث يقيم اليوم قرابة مليون نسمة معظمهم من أبناء الريف الدمشقي، وبينهم من أبناء مناطق أخرى من أرجاء سوريا؛ إذ غدت المدينة ملاذًا للمهجرين ولمن أجبرتهم شدة القصف أو ضيق الحصار على اللوذ بأنفسهم وبأبنائهم إلى حضن آمن. وحرصًا على سلامة أبناء المدينة وضيوفها، تم التوافق بين أهلها والنظام على تحييدها عن الصراع، لتستمر بذلك باستقبال أبناء الريف الدمشقي المنكوب منطقة تلو أخرى. فالمدينة التي استقبلت عائلات من أهالي حمص بعد أشهر من انطلاقة الثورة، ذاقت منذ أكثر من عامين آلام الحملة العسكرية، نزح خلالها معظم أهلها عنها وتضررت مبانيها إثر القصف الجوي؛ واليوم تؤوي من لا تزال مدنهم تقبع تحت الحصار وتحت القصف، في الغوطتين الشرقية والغربية، وقرى القلمون، وعدرا، حتى غدا سماع أي من لهجات مناطق الريف الدمشقي مألوفًا في شوارع التل.

وليست هذه الوقفة الأولى لأبناء المدينة بوجه ظلّامها، فقد شهدت حملة اعتقالات طالت عددًا كبيرًا من أبنائها ومثقفيها وعلمائها إثر موقفهم من قضية الإخوان المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي وموقفهم من الحراك ضد حكم الأسد آنذاك. واستمرت الحركات الإسلامية والفكرية بالظهور في المدينة في تسعينيات القرن الماضي، وكذلك تجددت في مطلع 2003 في سعي من أبنائها للنهوض بالمجتمع والخلاص من قيود التخلف والرجعية.

ومع انطلاقة الثورة السورية في آذار 2011، جاء انخراط مدينة التل في الحراك الثوري خطوة جديدة في مسار سبق لها نهجه، فسجلت حضورها بدءًا من مشاركتها بالمظاهرات، واستقبال أبناء المناطق المنكوبة، كما انضم عدد من أبنائها إلى صفوف الحراك المسلح ضد نظام الأسد، وبرز دورهم في معارك القلمون ويبرود.

تحيط اليوم حواجز نظام الأسد بالمدينة، إذ تتواجد على كافة الطرق المؤدية إليها، إضافة إلى حواجز مدينة برزة التي يمر بها المتجهون من التل إلى دمشق وبالعكس؛ فيما يسيّر المجلس المحلي للمدينة الأمور داخلها من خلال مكتب الخدمات التابع له، وهو مركز إداري خدمي مسؤول عن جميع المشاريع الخدمية والبنية التحتية في المدينة، ويتواصل مع أبنائها مباشرة من خلال أعضائه وعبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ ووفقًا لما ينشره مكتب الخدمات على صفحته على الفيسبوك، فمن ضمن المهام التي يحملها المجلس على عاتقه الإشراف على عمليات توزيع المواد الاستهلاكية والغاز، وتنسيق الجهود الإغاثية، إضافة إلى أعمال الصيانة للخدمات العامة كالماء والكهرباء والاتصالات والطرق في المدينة. وكون المدينة واحدة من المناطق القلة “الآمنة” في الريف الدمشقي، تضم المدينة مركز السجل المدني بريف دمشق.

وقد وثق المركز السوري لتوثيق الانتهاكات منذ آذار 2011 ما يزيد عن 1000 معتقل، وقرابة 500 شهيد من أبناء المدينة، منهم من قضى خلال الحملة العسكرية على المدينة، ومنهم شهداء تحت التعذيب، فيما تستمر المدينة بوداع المزيد من أبنائها مع استمرار تضحياتهم في معارك في القلمون.

مقالات متعلقة

فكر وأدب

المزيد من فكر وأدب