عنب بلدي- درعا
لم يفلح غياب الطائرات الحربية في جعل سماء المنطقة الجنوبية من سوريا صافية تمامًا، والتي باتت تعج بطائرات الاستطلاع، بأنواعها المختلفة ومهامها المتعددة، والأهم أنها بجنسيات مختلفة، ليتحول المشهد إلى ساحة تنافس حول رصد الأهداف وجمع المعلومات وترهيب التجمعات.
وعلى مدار أكثر من ستة أشهر من سريان اتفاق “تخفيف التوتر” في الجنوب، تموز 2017 الماضي، غابت الطائرات الحربية والمروحية التابعة للنظام السوري عن سماء محافظتي درعا والقنيطرة، في فترة هي الأطول منذ بدء استخدام الطيران الحربي في تاريخ الثورة، الأمر الذي انعكس إيجابًا على الأوضاع الإنسانية في المنطقة، رغم الخروقات المتكررة بالقصف المدفعي بين الحين والآخر.
حدود السماء تختلف عن الأرض
ورغم انقسام الخريطة الميدانية في محافظتي درعا والقنيطرة بين ثلاثة أطراف رئيسية: قوات الأسد وفصائل المعارضة وفصيل “جيش خالد بن الوليد” المتهم بانتمائه لتنظيم “الدولة الإسلامية”، إلا أن الأمر لم يؤثر على سماء المحافظتين، إذ تُحلق فيها طائرات استطلاع تتبع للنظام وأخرى لفصائل المعارضة، بالإضافة إلى طائرات إسرائيلية وأردنية وإيرانية وروسية.
ويتركز عمل مراصد المعارضة المعنية بمتابعة حركة الطيران في الجنوب بالوقت الراهن على تحذير الأهالي عند أي رصد لطائرات الاستطلاع “خوفًا من أن يكون هدفها تصوير التجمعات لاستهدافها بالقصف المدفعي”، بحسب رامي الحمصي الناشط في أحد مراصد متابعة الطيران، قائلًا “لا نستطيع رصد كافة أنواع الطائرات، لا سيما الصغيرة منها والتي تستخدمها قوات الأسد على خطوط الجبهات وللمسافات القصيرة”.
وتعتمد كل من فصائل المعارضة وقوات الأسد، بالإضافة للعديد من المؤسسات الإعلامية، على طائرات “الفانتوم” التي يتراوح سعرها من ثلاثة إلى خمسة آلاف دولار أمريكي.
وتعتبر محدودة الفاعلية بالمقارنة مع طائرات الاستطلاع العسكرية، والتي يسهل على المراصد مراقبتها “بسبب حجمها وحركتها البطيئة وصوتها الذي يمكن سماعه بوضوح” بحسب الناشط الذي أشار إلى أن المراصد ترجح أن هذه الطائرات تنطلق من أماكن مختلفة.
وقال لعنب بلدي إن الطائرات التي تأتي من اتجاه محافظة دمشق باتجاه مثلث الموت ومحافظة القنيطرة التي ينتشر فيها “حزب الله” إيرانية المصدر، بينما تنطلق طائرات من “اللواء 34” في منطقة المسمية وهي سورية المصدر.
أما الشريط الحدودي مع الجولان المحتل فهو ساحة التنافس الأبرز بين الطائرات الإيرانية والإسرائيلية التي لا تفارقه، بحسب الناشط الذي أضاف أن منطقة حوض اليرموك التي يسيطر عليها “جيش خالد بن الوليد” تشهد تحليقًا مكثفًا لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية داخل الحدود وفي عمق مناطق سيطرة الفصيل الجهادي.
عدو أم صديق؟
إلى ذلك تشهد المنطقة الجنوبية بين الحين والآخر تحليقًا لطائرات الاستطلاع الروسية والتي تميزها المراصد من خلال أنواعها الحديثة.
وبحسب الحمصي تحلق الطائرت الروسية على الأوتوستراد الدولي لترافق بعض المسؤولين الروس عند قدومهم إلى محافظة درعا، وتحلق أحيانًا على الخط الفاصل بين الحدود الإدارية لمحافظتي درعا والسويداء.
وكانت طائرات الاستطلاع الأردنية دخلت بصورة متكررة خلال الأشهر الماضية إلى الأجواء السورية، والتي رجح الناشط أن هدفها الرئيسي مراقبة أي تحركات عسكرية للميليشيا الشيعية الموالية للنظام في المنطقة الجنوبية.
وقالت مصادر عسكرية لعنب بلدي، في تشرين الثاني 2017 الماضي، إن قوات الأسد حاولت إسقاط إحدى طائرات الاستطلاع الأردنية التي دخلت أجواء محافظة درعا دون تمكنها من ذلك.
كما كادت طائرة استطلاع إيرانية أسقطتها إسرائيل بعد أن دخلت أجواء الجولان المحتل أن تشعل حربًا إقليمية، في 10 من شباط الماضي، في زمنٍ باتت طائرات الاستطلاع جزءًا رئيسيًا من المعركة، لا يقل إسقاطها أهمية عن إسقاط الطائرات الحربية.
وبعد أن أصبحت أجواء الجنوب مزدحمة بالطائرات “متعددة الجنسيات”، بات على الأطراف المسيطرة على الأرض النظر كثيرًا نحو السماء والتفكير مليًا والتساؤل قبل إطلاق النار، هل هذه الطائرة عدو أم صديق؟