انتقام أم ضرورة
ألف قبر “متنقل” في دير الزور
أورفة – برهان عثمان
“كأن الغربة والوحدة قدرهم”، تقول “أم محمد” (51 عامًا)، واصفة أوضاع القبور داخل الأحياء التي كانت خارج سيطرة النظام في دير الزور، وتتجاوز أعدادها ألفًا في أكثر من سبع حدائق، والتي بدأ النظام قبل قرابة 25 يومًا بنقلها إلى مقبرة المدينة الرئيسية في الجبل القريب منها.
احتلت القبور “المصغرة”، كما يسميها الأهالي، رمزية لديهم، ومنهم “أم محمد”، والدة أحد المدفونين في حديقة المشتل بحي الشيخ ياسين، التي غادرته إلى مدينة الطبقة في الرقة، بعد اشتداد القصف على المدينة مطلع عام 2017، وسيطرت قوات الأسد عليها بالكامل نهاية العام الماضي.
انتشرت القبور في أكثر من مكان داخل أحياء دير الزور، وأبرزها: حدائق المشتل وأبو تمام والعمال.
وضمت رفات مدنيين قتلوا إثر القصف أو مقاتلين على جبهات القتال بعضهم من محافظات أخرى، ومنهم من مات طبيعيًا خلال سبع سنوات مضت. |
خرجت المرأة الخمسينية حاملة غصة في قلبها، وفق تعبيرها، وتشير إلى أنها لم تستطع زيارة قبر ابنها قبل خروجها، بسبب قرار منع الدخول إلى المقابر، الذي أصدره تنظيم “الدولة الإسلامية” حينها، فارضًا عقوبات جزائية على من يخرق قراره.
ضياع للأثر
استقرت “أم محمد” مع من تبقى من أطفالها في الطبقة، وأوضحت أن المقابر تعرضت للتخريب المتعمد في وقت سابق من تنظيم “الدولة”، الذي حاول تصويرها على أنها مقابر لأموات “مشكوك في دينهم”، على حد وصفها.
وتحدثت عن تهديدات بالسجن صدرت عن عناصر جهاز “الحسبة” العام الماضي، لدى محاولتها الوصول إلى قبر ابنها، “خرب التنظيم قبور الشهداء وفجر بعضها وأزال معالم أخرى، واليوم يستكمل النظام ما فعله ويخرج الجثث المتحللة من القبور لدفنها في أماكن مجهولة ضمن الجبل”.
كل ما تستطيعه “أم محمد” اليوم هو قراءة الفاتحة على ولدها من مكانها، وتشير إلى أنها لا تعرف أين أصبح قبره حاليًا.
ناشطون يرون الخطوة “انتقامية”
يرى الناشط سليمان العامر (27 عامًا)، والمنحدر من دير الزور، أن توجه النظام لنقل القبور، وهو في مراحله الأخيرة، محاولة للانتقام ممن هم في القبور، معتبرًا أنها “محاولة لمحو التاريخ الذي كتبه أولئك الأبطال بدمائهم، لأنها تذكر بمن فيها”.
وحاول التنظيم، الذي سيطر على الأحياء منتصف عام 2014، التخلص من رمزية القبور “لطمس ما قدمه ساكنوها عندما دافعوا عن مدينتهم”، وفق تعبير الناشط، ويقول إنها تشكل جزءًا من تاريخ المدينة، يعمل النظام حاليًا على محوه.
وتشكل القبور “دليلًا على إجرام تنظيم الدولة والنظام بحق الضحايا الذي قتلوا إثر القصف والاشتباكات بين الطرفين”، بحسب الناشط.
النقل إلى “المكان الصحيح”
يرى أبو قاسم (45عامًا) أحد عمال البلدية في مدينة دير الزور، أن الجدل حول نقل القبور، فيه الكثير من المغالطات، واصفًا ما جرى بأنه “نقل ما بقي منها إلى المكان الصحيح بين مقابر الجبل”.
وأشرفت كوادر البلدية على عمليتي النقل والدفن، بحسب أبو قاسم، معتبرًا أن الأمر “يساعد على إعادة تأهيل المرافق العامة في المدينة كمناطق صالحة للسكن، ويشير إلى أن “الحدائق مكان للراحة ولعب الأطفال، ولا بد من نقل القبور مع الحفاظ على احترام الموتى كواجب إنساني وديني”.
يوضح عامل البلدية أن القبور “لم تكن محفورة بالشكل الصحيح والعمق المطلوب”، لافتًا إلى أنها كانت “مهددة بالانكشاف، كما أن وجودها بين المنازل بشكل دائم قد يجلب مشاكل صحية وأمراضًا”.
تضارب الروايات والآراء تختلف بحسب مواقف وتوجهات الشخص الذي يتحدث عنها، إلا أن كثيرين يجمعون على أن المقابر جزء من تاريخ المدينة، وشاهد على ما مرت به، معتبرين أن “أي اعتداء عليها هو فعل مدان من أي طرف كان”.
“لن يمسح اندثار القبور ذاكرة أهالي من فيها”، بحسب أم محمد، التي تؤكد “حفرنا أسماء شهدائنا وصورهم في قلوبنا، ولن تفلح محاولات المتطرفين والنظام في محوها، وإزالة ما عشناه من عز وصمود وحرية لسنوات بفضل من في القبور”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :