الحسكة – جوانا عيسى
عاد عدد من أهالي مدينة الرقة السورية إلى بقايا منازلهم، آملين أن يجدوا بين ركامها شعور الانتماء الذي تركوه وراءهم بعد رحلة نزوح عانوا خلالها داخل مخيمات النزوح، لتصبح معها بيوتهم المدمرة الخيار الأفضل بعد خروج تنظيم “الدولة الإسلامية”، في تشرين الأول 2017، مخلفًا وراءه تحديات عدة على السكان تخطيها للعيش بسلام.
تشير الأرقام الأممية إلى أن ما يزيد على 60 ألف مواطن من أصل 450 ألفًا عادوا إلى مدينتهم المنكوبة التي تطغى الأنقاض على معالمها، فيما تكدست الألغام والمتفجرات في قعر أراضيها.
وقد تبدو هذه الأرقام كبيرة، إذا ما قورنت مع التحركات “الكسولة” فيما يخص جهود ترحيل الأنقاض وترميم الأبنية المتضررة جزئيًا، وإزالة الألغام، خاصة مع تعالي الأصوات الأممية والحقوقية المطالبة بعدم عودة سكان الرقة إليها كونها لم تصبح بيئة مناسبة للعيش بعد.
عنب بلدي التقت بعض أهالي الرقة العائدين وسط رفض المسؤولين التصريح رسميًا، وروى المواطنون تفاصيل معاناتهم والحيرة التي وقعوا فيها بين العيش في المخيمات أو أنقاض منازلهم المحاطة بالألغام.
إسماعيل، أحد أهالي الرقة، صوّر لعنب بلدي الوضع في الرقة بقوله “الخوف يخيم على المدينة بسبب الألغام المنتشرة في كل رقعة، أصبحت مشاهد الموت بالألغام اعتيادية بالنسبة لنا”.
فيما قالت “أم محمد”، التي عادت إلى الرقة إن المدينة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، وتابعت “لا ماء ولا كهرباء، المباني جميعها مهدمة ولا نستطيع التجول في المدينة بسبب الألغام، فضلًا عن مشاهد الموت التي تحدث أمام أعيننا”.
وتشير أرقام صادرة عن الأمم المتحدة إلى أن الألغام في الرقة تتسبب بمقتل من 50 إلى 70 شخصًا أسبوعيًا، في أرقام وصفتها المنظمة بالصادمة، والتي تنذر بخطر أكبر في حال استمر السكان، وعددهم 450 ألفًا، بالعودة إليها.
وعن النزوح، قالت أم محمد “ذقنا الأمرّين أثناء نزوحنا، لن أنسى تلك اللحظات من جوع وبرد ودموع ما حييت، رغم أن الحال في مدينة الرقة ليست أفضل بكثير من مخيمات النزوح”.
وتحدث مظفر، أحد سكان الرقة، عن رحلة العودة إلى المدنية المحفوفة بالمخاطر، بقوله إن جميع الجسور خرجت عن الخدمة نتيجة انهيارها، ما دفع بالأهالي إلى الاعتماد على الزوارق “غير الآمنة” للتنقل بين ضفتي نهر الفرات.
وجرى الحديث في الآونة الأخيرة عن حالات غرق كثيرة في نهر الفرات، طالت العوائل العائدة إلى الرقة، إذ توفيت عائلة كاملة بعد غرق زورقهم في النهر، في شباط الماضي.
لا ماء ولا كهرباء.. من يسمع أصوات الأهالي
مع بلوغ نسبة الدمار في مدينة الرقة 80% سارعت دول العالم إلى ضخ أموالها في إعادة إعمار المدينة المنكوبة، إلا أن تلك المبالغ “الهزيلة” قد لا تتناسب مع حجم الدمار المعلن عنه، خاصة أنها خصصت لأهداف إزالة الألغام وتنفيذ مشاريع في قطاع المساعدات الغذائية والمياه والصحة وتقديم العون للاجئين فقط، والتي لم ينجز منها شيء يذكر بعد.
ويقول إسماعيل بهذا الصدد إنه لا توجد حتى الآن مخصصات مالية للأهالي من أجل إعادة إعمار منازلهم المدمرة، مشيرًا إلى أن أسعار مواد البناء فاقت القدرات المادية للسكان، مع فروقات شاسعة بين أسعار مواد البناء في الرقة وغيرها من المحافظات السورية.
وأضاف أن أعباء اقتصادية أخرى كان على السكان تحمّلها فيما يتعلق بإزالة الألغام من منازلهم، إذ تحولت العملية إلى تجارة رابحة لدى بعض الأفراد الذين يعملون على ذلك لقاء مبلغ مادي يصل إلى 150 ألف ليرة سورية (300 دولار) وهو ما يفوق قدرة الأهالي، حسبما قال.
ويتلقى المجلس المحلي في الرقة عشرات الطلبات يوميًا لتنظيف المنازل من الألغام إلا أنه لا يستطيع الاستجابة بسرعة لهذه الطلبات بسبب نقص في الكوادر، إذ غالبًا ما يسجل الناس أسماءهم لدى المجلس ليأتيهم الرد بعد شهر أو شهرين، وفق ما نقلت المراسلة.
لكن طول فترة الاستجابة يجبر سكان الرقة على اللجوء إلى أفراد وجهات غير رسمية من أجل تنظيف منزلهم من الألغام مقابل 300 دولار على المنزل الواحد.
ودعا إسماعيل إلى “ضرورة تشكيل فرق هندسية وخبرات تابعة لإدارة الحكم تقوم بتمشيط الأحياء والمنازل وعدم السماح للأهالي بدخول منازلهم حتى يتم نزع الألغام وتأمين الحي”.
أما عن قطاع الخدمات، قالت “أم محمد” إن جميع محولات الكهرباء مسروقة، إذ تنعدم الكهرباء في المدينة باستثناء الأمبيرات وأسعارها غالية جدًا، وأضافت أن شبكات المياه معطلة ما يدفع السكان إلى شراء مياه الشرب ومياه من الصهاريج بقيمة ألف ليرة يوميًا (ما يعادل دولارين اثنين)، وهي مياه غير معقمة تسبب الكثير من الأمراض، على حد قولها.
وناشدت الجهات المختصة والمنظمات الإنسانية بإعادة ترميم البنية التحتية للمدينة كشبكات المياه والكهرباء والمستشفيات، بالإضافة إلى انتشال الجثث من تحت ركام الأبنية المدمرة والتي لا يزال الكثير منها عالقًا.