خريطة أستانة الداخلية في إدلب

  • 2018/03/04
  • 1:36 م
عناصر من فصيل فيلق الشام في معارك منطقة عفرين - 23 شباط 2018 (فيلق الشام)

عناصر من فصيل فيلق الشام في معارك منطقة عفرين - 23 شباط 2018 (فيلق الشام)

عبد القادر حج عثمان

شهد الأسبوع الفائت انطلاق “جبهة تحرير سوريا” بعمليات عسكرية تهدف لطرد “هيئة تحرير الشام” من شمال إدلب وغرب حلب وصولًا إلى معرة النعمان جنوبًا، وخسرت على إثر هذا تحرير الشام العديد من مواقعها، بالإضافة لانشقاق بضع كتائب عنها شمال حلب وإدلب. ولفهم هذا الاقتتال ونتائجه وأسبابه علينا أن نبدأ بتوضيح أمور أهمها توقيت الاقتتال الذي يأتي بعد:

– إتمام اتفاق استانة بموافقة الجميع (هيئة تحرير الشام، حركة نور الدين الزنكي، الجيش الحر، حركة أحرار الشام) والتموضع غرب السكة.

– بدء دخول نقاط المراقبة التركية وتموضعها بمناطق تشهد تغييرًا سريعًا.

– طلب روسيا من تركيا تعجيل انتشار قواتها للمراقبة وهذا يتضمن الإسراع بالخطوات الأخرى كإزاحة تحرير الشام حسب الاتفاق.

وتظهر إحدى الخرائط المسربة الواقع الذي تم الاتفاق عليه في أستانة، وهو حشر تحرير الشام في جيب يقع في سراقب ومحيطها، ولكن هذا بعيد عن الواقع حاليًا، لكون الفصائل الثورية انتشرت في المنطقة منعًا لتقدم تنظيم الدولة مرة أخرى من مناطق النظام، ونظرًا لضرورة انتشار القوات التركية ضمن مناطق لا تسيطر عليها جبهة النصرة.

والواقع يشير إلى رغبة تحرير الشام في الانتشار من ريف اللاذقية إلى باب الهوى، والذي يعتبر أهم منطقة في إدلب وبوابة الحياة للفصائل. وتعتبر هذه المنطقة آخر المناطق التي طبقت فيها اتفاقات خفض التصعيد ولا تزال تشهد هجمات جوية روسية ومدفعية من النظام، ما يدل على تصنيف هذه المنطقة ضمن مناطق انتشار تحرير الشام والفصائل الإسلامية.

أما بالنسبة لاتحاد فصيلي نور الدين الزنكي وحركة أحرار الشام وموقف فيلق الشام، فلا توجد أي روابط تاريخية بين الزنكي والأحرار، بل شهدت السنة الماضية مشاركة الزنكي بحرب ضد الأحرار، ليتصدر الزنكي مشهد المعارضة المعتدلة لاحقًا، كما كان انضمامه لتحرير الشام عبارة عن تمرير وقت نتيجة انقطاع دعم الزنكي ودخوله متاهات التصنيف إثر حادثة ذبح طفل مقاتل شيعي بحلب قبل عامين.

استغل الزنكي ضعف وتشتت الأحرار الداخلي والانشقاقات في صفوفه وترهل القيادة ليشارك باقتسام غنيمة كبيرة مع جبهة النصرة.

وبعد سنة على هذا يدرك الأحرار موقف الزنكي الذي يسعى للعب جميع الأدوار ليبقي نفسه في موقع ريادة المعارضة، خصوصًا في تموضعه قرب مدينة حلب، التي ربما تشهد لاحقًا ضمها للنفوذ التركي، بالإضافة لمعبر دارة عزة الذي إن تم فتحه مع ريف حلب الشمالي والشرقي فسيشهد قدوم فصائل تعتبر الزنكي خصمًا لها وستعيد منافستها غرب حلب.

اتفق الأحرار والزنكي على حرب تحرير الشام كما هو مفصل في أستانة، وسيكون لهم الدور الوحيد لحكم شمال إدلب وغرب حلب، وهو ما يطمح إليه الطرفان، إذ يريد الزنكي السيطرة على المنطقة من غرب حلب إلى سرمدا، بينما يطمح الأحرار لنفوذ من إدلب المدينة وحتى باب الهوى، ليبقى ريف إدلب الجنوبي والغربي منطقة نفوذ للفصائل الإسلامية، وريف حماة الشمالي منطقة نفوذ لجيش النصر والعزة والأجناد وغيرها.

أما عن موقف تحرير الشام الداخلي، فلن تخرج الهيئة من باب الهوى قبل ضمان حقوقها المادية، ولو سرًا، وستكون اتفاقات المعابر هي الفصل بين الفصائل.

عسكريًا، تشهد تحرير الشام نزاعات داخلية بناءً على انتمائها وسياساتها، فقسم من تحرير الشام لا يزال يتبع للقاعدة ويرفض أي تخلٍ عن الارتباط، ويسعى إلى إنشاء قاعدة جديدة والتخلي عن الهيئة.

أما الجولاني، فبات بعد دخول الأتراك يعول على السوريين والدخول في مرحلة بناء دويلته المحمية تركيًا، وقد جهز حكومة الإنقاذ لهذا الغرض، الذي سيتيح له حكم إدلب وعدم تكرار سيناريو درع الفرات وتفرد المجالس المحلية بعيدًا عن العسكر.

ثم إن تحرير الشام تدرك أن بقاءها شمال إدلب وغرب حلب ليس ضمن المناطق المسموح بها، فستسعى إلى الالتفاف على هذا القرار بتشكيلات جديدة كما حصل في جيش حلب الشهباء، الذي يقوده أحد الضباط الاعتباريين، والذي كان يحظى بشعبية لدى الجيش الحر.

أما عن الموقف التركي، فهذا يسهل عليها ضبط المنطقة، إذ إنها تقسمها لمناطق نفوذ متصارعة ومتكافئة تضمن عدم تمرد إحداها.

أربع مناطق نفوذ ستكون كافية لبقاء الجميع تحت الاتفاقيات وعدم القدرة على التمرد: نفوذ إسلامي غرب إدلب حتى اللاذقية، نفوذ الزنكي غرب حلب، نفوذ الأحرار شمال إدلب، ونفوذ جيش النصر والعزة وغيره شمال حماة.

وستكون غرفة عمليات رد الطغيان التي يشكل الفيلق عمادها هي المساندة للقوات التركية على أهم محور لخفض التصعيد، وهو جنوب حلب حتى جنوب إدلب، بالإضافة لدور الفيلق الكبير في التحكم بالمنتصف في إدلب المدينة، حيث سيكون الفيلق عماد الجيش التركي في المنطقة ويوضح هذا تسليح الأتراك العلني للفيلق وعدم إدخاله في النزاع الداخلي الحالي لعدم إضعافه وإبقائه على مسافة واحدة من الجميع، ما سيتيح له لاحقًا أن يكون سيد المواقف بين المناطق الأربع.

ولربما نشهد في الأيام المقبلة مبادرة تؤدي إلى توقف الاشتباكات للاتفاق على معبر باب الهوى وإدارته الجديدة، ورسم خريطة مبدئية بين الفصائل، ولكنها لن تشمل أبدًا العودة لما قبل إعلان جبهة تحرير سوريا.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي