ثوب جديد للاستعمار… سوريا مدينة لروسيا 50 عامًا
عنب بلدي – مراد عبد الجليل
اختتم في العاصمة الروسية (موسكو)، في 26 من شباط الماضي، منتدى الأعمال الروسي- السوري، الذي حضره 281 رجل أعمال روسيًا، و120 رجل أعمال سوريًا، بتوقيع عدد من مذكرات التفاهم حول إعادة الإعمار والعلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، لتستمر روسيا في سعيها للهيمنة على الاقتصاد السوري.
دعمت روسيا النظام السوري، خلال السنوات الماضية، سياسًا واقتصاديًا وعسكريًا، بحجة مكافحة الإرهاب والتصدي لما يصفه النظام بـ “المؤامرة”، لكن سرعان ما تحول الدعم والفاتورة العسكرية الكبيرة التي دفعتها روسيا إلى عملية ابتزاز بهدف الحصول على امتيازات اقتصادية طويلة الأمد، وسط تصريحات من قبل مسؤولي النظام بأن الامتيازات والاتفاقيات الاقتصادية في مختلف المجالات (نفط وغاز وقمح وفوسفات وكهرباء وطاقة…) ستكون من صالح الدول الصديقة للشعب السوري التي ساندته في الحرب، لتتحول روسيا إلى دولة “محتلة اقتصاديًا”، بحسب ما أكده الخبير في مجال النفط والثروة المعدنية عبد القادر العلاف لعنب بلدي.
الاتفاقيات التي أبرمت بين الطرفين تزخر بها منصات الإعلام المحلية والعربية، ويسلط التقرير الضوء على الآثار التي تجعل مفاصل الاقتصاد السوري بأيدي الروس لسنوات طويلة، خاصة وأنهم بدأوا بالبحث عن ثمن دعمهم من خلال تصريحات مسؤوليهم، إذ قال نائب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري روغوزين، خلال زيارته إلى سوريا في كانون الأول الماضي، إن “قطاع الأعمال الروسي في سوريا يعد كل روبل، لأننا لا يجب أن نفكر في مصلحة البلدان الأخرى فقط، حتى لو كانوا من الأقرباء والأصدقاء، ولكننا يجب أن نفكر الآن كيف نكسب الأموال لميزانياتنا، لمواطنينا والناس والذين ينتظرون أيضًا أي مكاسب من العمل الكبير لروسيا في سوريا”.
سياسية جديدة للاستعمار عن بعد
أشكال الاستعمار اختلفت في القرن الواحد والعشرين، بعدما كانت سابقًا تقوم على تحريك دول قوية لجيوشها لاحتلال أراضي دول ضعيفة وإخضاعها عسكريًا ونهب ثرواتها وخيراتها، واستبدال صناع القرار فيها في الشؤون الإدارية والسياسية والاقتصادية، لكن نتيجة التكاليف الباهظة التي دفعتها الدول المستعمرة، ماديًا أو بشريًا، غيرت سياساتها إلى التحكم عن بعد باقتصاد الدول النامية، من خلال إغراقها في الديون والقروض أمام نظر الجميع، كما الحال بين النظامين الروسي والسوري.
وأكد معاون وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري، لعنب بلدي، أن الدولة القوية تغرق الدولة التي تريد السيطرة عليها بالقروض بشروط صعبة جدًا، كما تمنعها من القيام بأي مشاريع تنموية وإنتاجية كبيرة قد تساعدها على النمو الاقتصادي، إضافة إلى خلق مشاكل واضطرابات فيها لدفعها إلى شراء الأسلحة بشكل كبير، وإبقائها غارقة في الديون.
سوريا جسر روسيا إلى الشرق الأوسط
بالعودة إلى العلاقات بين موسكو ودمشق ما قبل الثورة، فإن سوريا تعتبر جسرًا لروسيا تعبر من خلاله إلى منطقة الشرق الأوسط لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري، ومن هذا المنطلق عمل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، منذ وصوله إلى السلطة في أيار 2000، وهو نفس العام الذي وصل فيه رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى كرسي الحكم في سوريا، على توجيه اهتمامه بشكل كبير إلى مفتاح الشرق الأوسط (سوريا)، فشطب 73% من ديونها خلال زيارة الأسد إلى موسكو في 2005، مقابل اتفاقيات اقتصادية في مجال النفط والغاز والعلاقات التجارية، ومقابل موافقة الأسد على تحويل قاعدة طرطوس إلى قاعدة عسكرية ثابتة للسفن الروسية.
لكن بعد اندلاع الثورة وطلب النظام مساعدة روسيا في مواجهة ما يصفه بـ “المؤامرة”، وجدت موسكو فرصة لبسط نفوذها، سواء على الصعيد العسكري عبر توقيع اتفاقية تضمن وجودها في الساحل السوري لمدة 49 عامًا مع إمكانية تمديدها تلقائيًا لفترات متعاقبة لمدة 25 عامًا دون مقابل مالي، أو على الصعيد الاقتصادي، بحسب عبد الحكيم المصري، عبر طريقين، الأول، القروض المالية التي منحت للنظام بعد نفاد الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي، والثاني عبر الاتفاقيات الموقعة بينهما في مختلف المجالات، وخاصة عقود التنقيب عن النفط والغاز في الساحل، أو استيراد مواد استراتيجية من روسيا مثل القمح وبناء صوامع داخل سوريا إضافة إلى اتفاقيات زراعية وكهربائية وغيرها.
من جهته، أكد الخبير عبد القادر العلاف أن روسيا لا تريد سوى المكتسبات الاقتصادية وضمان الاتفاقيات سواء المصرح بها للإعلام أو لا (فوق الطاولة أو تحت الطاولة)، لذلك تحاول إجهاض أي حلول سياسية دون بقاء الأسد في السلطة، لأنه الضامن الوحيد الذي ستفقد بذهابه جزءًا كبيرًا من ثمن فاتورتها الكبيرة التي دفعتها في سوريا، وبالتالي اشتراطها أنه لا حل سياسي في سوريا إلا بموافقة الحكومة المقبلة على هذه الاتفاقيات.
الشعب السوري مدين لروسيا 50 عامًا
وبالرغم من غموض بعض هذه الاتفاقيات وعدم معرفة قيمتها ومضمونها بشكل دقيق، سيترتب أثر سلبي كبير على الاقتصاد أو على المواطن السوري على المدى البعيد، خاصة وأنها بحسب العرف الدولي “اتفاقيات شرعية”، كون النظام السوري ما زال معترفًا به داخل أروقة الأمم المتحدة، بحسب العلاف، الذي أكد أن روسيا أحيانًا تطلب توقيع الاتفاقيات من أعلى سلطة في الدولة وهو الأسد شخصيًا لأخذ شرعية لها، ما سيجعل الشعب السوري، حتى بعد انتهاء الحرب، مدينًا لروسيا لمدة 50 عامًا، وسيدفع المواطن السوري من ثروته الاقتصادية إلى روسيا، وهذا يعتبر استعمارًا و احتلالًا اقتصاديًا.
في حين أكد المصري أن الاتفاقيات ستجعل سوريا من أكثر الدول المدينة في العالم، وتسمح لروسيا بالسيطرة على النظام اقتصاديًا، الذي لن تكون لديه القدرة على اتخاذ أي قرار سياسي أو اقتصادي إلا بالرجوع إلى موسكو، نتيجة إغراقه بالديون ووجود التزامات عليه سنويًا من خلال دفع الفوائد، ما سيشكل عبئًا كبيرًا على الموازنة السورية، في ظل غياب إنتاج يغطي هذه القروض في المرحلة الحالية والمستقبلية، ما يعني الخضوع التام لروسيا.
ويطلق مصطلح “دولة مدينة” عندما تتجه دولة ما إلى الاستدانة من أخرى بهدف مساعدتها في تمويل عجزها الاقتصادي، عبر قروض أو توقيع اتفاقيات أو منح الدولة المانحة امتيازات اقتصادية، ما يؤدي إلى تراكم ديون خارجية على الدولة.
أبرز الاتفاقيات الموقعة بين النظام وروسيا
في مجال الطاقة وقع الطرفان “عقد عمريت” للتنقيب عن النفط والغاز في مياه سوريا الإقليمية، لمدة 25 عامًا بتمويل روسي، بقيمة 100 مليون دولار.
كما أصبح استيراد مادة القمح الاستراتيجية بيد روسيا بعد توقيع عدة عقود لاستيراد مئات آلاف الأطنان منها، إضافة إلى بناء أربع مطاحن للحبوب في محافظة حمص السورية، بكلفة 70 مليون يورو، على أن تغطي الحكومة السورية تكاليف البناء.
كما وقع الجانبان عقودًا في مجال الزراعة والسياحة، إضافة إلى اتفاقية جمركية للتعاون والمساعدة الإدارية المتبادلة في الأمور الجمركية، كما تتحضر شركات المقاولات الروسية للدخول إلى سوق العمل السورية لإعادة الإعمار.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :