الكشافة السوريون محرومون محليًا ونشيطون في الخارج

  • 2018/03/04
  • 1:58 م
كشافة سوريون في اسطنبول - 24 كانون الأول 2017 (الكشافة الأهلية السورية - فيس بوك)

كشافة سوريون في اسطنبول - 24 كانون الأول 2017 (الكشافة الأهلية السورية - فيس بوك)

عنب بلدي – صبا الكاتب

“من يتذوق الحركة الكشفية لا يمكن له نسيان طعمها طوال فترة حياته”، هكذا وصف القائد الكشفي سابقًا في سوريا والإعلامي حاليًا غيث حمور، تجربته الكشفية، التي امتدت على 36 عامًا، رافقته منذ دخوله شبلًا في فرق الكشافة حتى أصبح قائدًا ومربيًا لأجيال في شبابه.

لا يزال غيث حمور يلتزم بـ “يوم الفولار العالمي”، في 1 آب من كل عام، وهو اليوم الذي يطلب من كل كشاف في العالم أن يرتديه في حياته اليومية بهدف نشر ثقافة الحركة الكشفية.

لدى حمور توصيف يستخدمه يلخص هذا النشاط هو “كشاف يوم كشاف طول العمر”، فالحركة الكشفية ليست نشاطًا ترفيهيًا فقط، بل تتعداه لتصبح عملية تربوية تهدف لتقويم الشباب أو الفتيان فكريًا وأخلاقيًا واجتماعيًا.

رحلة إلى التاريخ الكشفي

الكشافة عبارة عن حركة أهلية تربوية غير سياسية تأسست في بريطانيا من قبل اللورد البريطاني بادن باول، عام 1907 واقتصرت في البداية على المساعدة في الأمور الحربية، ثم حولها باول بعد ذلك إلى مؤسسة اجتماعية، انتقلت إلى الوطن العربي تحت الكشافة العثماني.

أول مخيم كشفي كان في 1935 في منطقة الزبداني في دمشق تلاه إغلاق باب العالم الكشفي وفتحه عدة مرات في سوريا، إلا أن الصحفي غيث حمور رأى أن الأعداد المؤلفة التي انضمت للحركة، حينما كانت “غير مسيسة بالفعل”، أسهمت بإلغائها من قبل النظام الحاكم في سوريا.

ومع تسلم بشار الأسد الحكم بدأ بإطلاق وعود الإصلاحات والتعهدات التي كان منها السماح للكشافة بالرجوع إلى المجتمع وممارسة نشاطاتها، إلا أنها ارتبطت، وفقًا للإعلامي، بشبيبة البعث “ارتباطًا مباشرًا”، حتى أصبحت مقرات الحركة بـ “الطابو الأخضر” للكشافة السورية ولمخيم الطلائع على الأرض، باستثناء غرفة صغيرة سلمت للكشافة، وبضم كوادر الحزب ليصبحوا قادة فعليين فيها.

توقفت الحركة الكشفية بحلول الأزمة السورية 2011، مع بقاء مجموعات صغيرة أكد الإعلامي حمور أنها لا تحمل غير الاسم الكشفي فقط.

تكوين شخصية.. لا تظلموا أطفالكم

تشكل الأنشطة الشبابية المختلفة، وعلى رأسها الحركة الكشفية التي تشمل المخيمات والمسير والأنشطة الجماعية، ضرورة اجتماعية ونفسية وتربوية لاكتمال النمو الشخصي والانفعالي والاجتماعي للطفل، بحسب الاختصاصي في الإرشاد النفسي الدكتور عمر النمر، معتبرًا أنها جزء مهم جدًا ومرحلة ضرورية من مراحل التربية التي يجب أن يختبرها الطفل، إذ تسهم في تبلور شخصيته وازدياد ثقته بنفسه واعتماده على ذاته، تمهيدًا ليكون كيانًا مستقلًا قادرًا على القيام بمهامه في الحياة.

ومن الملاحظات التي أشار إليها الاختصاصي النمر، الفرق الواضح بين شخصية من تدرب في معسكرات كشفية وبين من لم يخرج عن كنف والديه أبدًا، عدا عن آثارها الإيجابية على شخصية الفرد، ومنها الاعتماد على الذات والثقة بالنفس والقدرة على المغامرة واتخاذ القرار، إلى جانب حل المشكلات والترويح عن النفس.

أما علاقته بالمحيط، فتتسبب الحركة الكشفية بتشجيع تعاون الفرد مع الآخرين، وتدعوه لتكوين صداقات جديدة، والتعرف على عادات وتقاليد مختلفة، مع التزامه في نفس الوقت بالقوانين والأنظمة والتعليمات.

كما تدفع الحركة الكشفية الطفل إلى الفطام الاجتماعي عن الأب والأم، أما في حال تعرضه لظروف معيشية جديدة، فيوضح الاختصاصي أنها تجعله يتلقاها بـ “حب”، مكونة عنده صفات قيادية يمتاز بها عن أقرانه، يضاف إليها اتساع الأفق واكتساب النظرة الشمولية مع تنمية القدرة على التعبير عن الذات.

واستنكر النمر على البعض قولهم إن في الحركة الكشفية ظلمًا للطفولة في حال تغير أمور اعتاد عليها الطفل كالنوم خارج بيته، وتناوله طعامًا ربما يكون مختلفًا عن ذوقه ومتطلباته، معتبرًا ذلك أفضل ما في الكشفية، فالتربية الصحيحة، بحسب قوله، تندرج في خوضه غمار هذا التجربة.

وأسف الاختصاصي من تصرفات آباء هذا العصر في تلبية كافة احتياجات ورغبات أطفالهم أكثر من اللازم، فهم بذلك ينشئون “عجزة فاشلين” غير قادرين على التصدي لمصاعب الحياة وحدهم.

في بلاد اللجوء.. الكشافة وسيلة للاندماج

“هذا سوري!”، قالها أحد الفتية في انتقاص لأصدقائه، عن الطفل السوري زيد، أثناء إحدى الرحلات الكشفية فما كان من القائد إلا أن رد اعتبار زيد وعاقب الفتى.

لم تُلحق السيدة منال ابنها زيد (9 سنوات) في كشافة سوريا، إذ لم تكن الثقافة الكشفية منتشرة في المجتمع إضافة لتبعيتها التي لم تكن توافق عليها، وفقًا لما أخبرتنا، غير أنه بمجرد انتقالهم إلى لبنان انضم إلى صفوف الكشاف المسلم اللبناني الذي وجدت فيه وسيلة فعالة لدمج السوريين في المجتمع اللبناني إضافة إلى الفوائد التي ذكرها الاختصاصي.

امتد الكشاف العثماني إلى لبنان وتغير اسمه إلى الكشاف المسلم كأول جمعية كشفية عربية في 1912 توزعت على كافة أنحاء لبنان، وانطلق منها فوج تعلبايا، الذي انضم له زيد.

ويوجد في فوج تعلبايا وحدها وهي قرية تابعة لمنطقة البقاع، بحسب ما أخبرنا المسؤول الإعلامي فيها وقائد فرقة الأشبال، أنس ترشيشي، من مجموع 150 فردًا على أقل تقدير 30 سوريًا بين إناث وذكور، تتراوح أعمارهم كبقية كشافة العالم من سبع سنوات إلى حد الوصول للقيادة والرتب المختلفة في سلك المناصب هناك.

ويفتخر القائد ترشيشي بوجود “إخوان سوريين” ومن كل الجنسيات بين صفوف الكشافة، وترجع بدايات انضمامهم إلى مساعدات اجتماعية ضمن جمعية الكشاف المسلم بدأت بتوزيعها على العائلات السورية، الأمر الذي سبب انتشار الفكر الكشفي بين السوريين سواء في المخيمات أو حتى المنازل.

ولاحظ المسؤول الإعلامي في فوج تعلبايا تميزًا واضحًا لدى الأفراد السوريين في الانتظام والقابلية للعمل الجماعي والكشفي.

يستطيع الإنسان في حال وجوده مع أناس يشاركونه اللغة نفسها التواصل والحوار، إلا أنه في حال انتقل إلى بيئة جديدة تخالفه اللغة والعادات والجو الخارجي، كتركيا، فلن يكون من السهل عليه ذلك.

وتصبح الحركة الكشفية بذلك وسيلة دمج الشباب في المحيط الجديد، وأوضح الدكتور عمر النمر أنها تساعد الشباب على فهم عادات وعقلية المجتمع المضيف.

أما الخوف من جدار البيئة الجديدة فينهار بمجرد الالتحاق بالحركة، من خلال اكتساب لغة جديدة، في تركيا مثلًا، والتمرن على المحادثة والاستماع، يسبق ذلك تقوية لغة الجسد التي يحتاجها الفرد للتعبير قبل تعلم اللغة.

ومن المحاذير التي نبه الاختصاصي النفسي لها، في العموم هي التثبت من صدق ونقاء وتوجهات المشرفين على المعسكر، للتأكد من خلوه من غايات سياسية أو أيديولوجية.

سوريون في تركيا.. نشاط

نشأت الحركة الكشفية السورية في اسطنبول منذ ما يقارب الأربع سنوات، اختير القائد أنس، لاستلام أحد الأفواج فيها وليكون مسؤولًا عن التدريب في مفوضية اسطنبول الرسمية، فأكمل من خلالها مسيرة حياته وحياة والده الكشفية قبله.

ويتبع الكشاف السوري في ارتباطه إلى الاتحاد الفيدرالي التركي المنضوي تحت الكشاف العالمي، ويتوجه إلى الفتية والشباب دون التعرض أو التكلم عن التوجهات السياسية، وفقًا لتصريحات القائد أنس.

كانت أعداد السوريين ضئيلة جدًا في البدايات، تبع ذلك انتشار شمل معظم المحافظات التركية، حتى شارفت أعدادهم على بلوغ الألف فرد في اسطنبول وحدها.

ويصل عدد المخيمات الكشفية في أشهر الصيف إلى مخيم في كل أسبوع، ولا تغلق كذلك في الشتاء الذي وصلت الحرارة في مخيم أقيم في كانون الأول الماضي إلى 20 تحت الصفر ضمته مدينة أرضروم.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع