صدى الحياة من الغوطة
عروة قنواتي
كل المكالمات الهاتفية والرسائل ومهما حملت من تقلبات اليوم أو الشهر الماضي، أو تنقلت بين الفرح والحزن والسعادة، يبقى مدارها ومحيطها في حدود الاستطاعة بالتعبير وبالتوقيت، وبكل ما هو متاح لدى الإنسان من أحاسيس وعواطف، إلا في مكالمات الصراع مع الموت، الصراع لأجل الحياة، والصراع على الوجود.
فأسوأ الأحوال وأبشع المواقيت عندما تتلقى الرسالة أو ترسلها، وأنت تعلم مسبقًا أنك ستقدم الكلمات والعبارات وتسأل عن الأحوال “بشكل ساذج”، موجهًا ذلك لمجموعة أو لفرد يتقلب مصيره بين الهروب من الموت، واحتضان أطفاله، وصولًا إلى التأكيد على أنه بخير.
هنا أتحدث عن بلال غبيس، المسؤول الرياضي ومدرب الفنون القتالية في الغوطة الشرقية، عن الرياضي الإنسان الذي يمثل بمكالمته آلاف المواطنين، أتحدث إليه فشعرت بأنه نطق بما في قلوب الجميع، “كيف حالكم أيها البطل .. هل أنت بخير ياصديقي”، ليأتي الرد بعد ساعات “نحن على قيد الحياة ياصديقي .. الحمد لله”.
كيف يتصور أي منا موقفه في تلك اللحظات؟ وكيف يشعر وهو يتلقى الإجابة تلو الإجابة، وسرعان ما تنتهي بصوت الطيران أو بسؤال “هل سمعتم شيئًا يخصنا في الأوساط السياسية؟”.
هل علي فعلًا أن أقول له بأنني سمعت لكي يتعلق بالأمل مثلًا، رغم أنه بحاجة لأي جرعة كي ينقلها بحنان مخلوط بالخوف إلى صدور أطفاله عندما يحتضنهم وقت اشتداد القصف الوحشي.. البربري.. الإجرامي.
أم هل أردد له نفس العبارة التي نقولها في كل منطقة تتعرض لما تعيشه الغوطة هذه الأيام، “قلبي معكم ولا أملك الا هذا الإحساس وليس بيدي أي حيلة؟”.
كتب بلال على صفحته قبل أيام، “إذا وقف القصف الوحشي ووقفت جولة الموت دقايق بيخطر على بالي اتطمن على الحبايب على رفقاتي الرياضيين.. بيرجع عندي شعور المسؤول عنهم.. مين استشهد.. مين مصاب.. مين لسا بخير”.
وأصاف، “والله ما بعرف يا جماعة مابعرف لك أهلي بالحارة التانية ما فيني اطمن عليهم، بيخطر ببالي امشي بشوارع عملنا فيها المهرجان الرياضي، بس شو بدو يوصلني لها الأماكن، بيرجع الضرب وبيرجع القصف.. ويمكن أكتر شغلة آكلين همها هي كيف بدنا نلم الشهداء من تحت الأنقاض ياربي فرجك ورحمتك”.
أشعر بالندم الشديد لأنني لم أتحدث إليه أكثر، ووقتًا أطول، وأنني لم أتعلم من صبره وأحلامه وخطيطه للعمل في المهرجانات والمسابقات والنشطات التي احتضنتها الغوطة العام الماضي وسابقًا.
نادمٌ لأنني لم أقترب من صدى الحياة، لقد كان ومازال فعلًا كذلك ولا أملك إلا أن أقول له “ابق بخير يا بلال أنت وزملائك وأهالي الغوطة بخير لأنكم تستحقون الحياة”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :