الحسكة – جوانا عيسى
“وضعي المادي سيئ جدًا، وزوجي من ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن رغم ذلك لم ألجأ إلى المحاكم”، تصف فاطمة خلف، (40 عامًا) وضعها بعد حرمانها من حقها في الميراث من قبل إخوتها في مدينة القامشلي.
كان والد فاطمة يملك الكثير من العقارات والأراضي، لكنها علمت بعد وفاته أنه باع كافة ممتلكاته لإخوتها الذكور دون ترك شيء لها ولأختها، وعند المطالبة كان الرد بأنهم “أحق” بميراث الأب، ولديها زوجها هو مسؤول عنها.
معاناة فاطمة ليست الوحيدة في المنطقة، وماتزال كثيرات يعانين من حرمانهن من الميراث في ظل عدم قدرتهن على المطالبة بسبب نظرة المجتمع للقضية خاصة مع تغليفها بإطار ديني.
فهم خاطئ للقوانين والشريعة
تقول المحامية إفين كلش، إن “القانون يمنح المرأة الحق في الميراث والنصوص واضحة، حتى وإن كانت حصتها أقل من الرجل”، معتبرة أن “كل اتفاق فيه تحايل على أحكام الميراث خلال توزيع التركة ووفاء الديون، سواء كان بالبيع أو الهبة أو الوصية أو غير ذلك، يعتبر باطلًا، إن كان أثناء حياة المورث أو بعد الممات، كما أنه لا يجوز لكل من المورث والوارث إسقاط حق الميراث أو التنازل عنه للغير”.
وبالرغم من أن القانون ينص على وجوب منح المرأة حقوقها من الميراث، ودلائل النصوص الدينية أيضًا واضحة فيما يتعلق بحقها في الميراث، إلا أن “الثقافة الذكورية للمجتمع، والعرف السائد الذي هو أقوى من القانون في المنطقة، يعتبر من أحد الأسباب الرئيسية لحرمان المرأة من حقها، بحسب ما قاله المدير التنفيذي لمنظمة “بيل”، أسامة أحمد، الذي أكد أن “الفهم الخاطئ للشريعة الإسلامية، وعدم معرفة المرأة بحقوقها وعدم امتلاكها الأدوات اللازمة للمطالبة بها، عرضها أكثر إلى التمييز على كافة الأصعدة ومنها الحرمان من الميراث”.
وهو ما أكدت عليه الناشطة الحقوقية ماريا عباس، بقولها إن “حرمان المرأة من الميراث يأتي وفقًا للسلوكيات العنيفة التي ترتكب بحقها، تحت ذريعة الشرع الذي يتم تفسيره بما يتناسب مع أهواء المجتمع نتيجة العادات والتقاليد الموروثة، تحت غطاء ما يسمى بالعرف والحياء الاجتماعي”.
وإلى جانب العادات والتقاليد، أرجعت المحامية كلش سبب الحرمان إلى جهل المرأة وعدم معرفتها بحقها الشرعي والقانوني، وعدم لجوئها إلى القانون، ما يمنعها من الحصول على حقها، كما أن “بعض النساء هن من يتنازلن عن حقهن في الميراث تحت ضغط العائلة والحياء الاجتماعي”.
مطالب باعتماد قوانين مدنية
ومن أجل حصول المرأة على حقها، أكدت المحامية كلش على ضرورة إطلاق حملات توعية قانونية للنساء من أجل تمكينهن للمطالبة بحقوقهن، ونشر ثقافة الحفاظ على حقوق المرأة بين المجتمع لضمان الحفاظ على كينونتها وشخصيتها، وبالتالي الحفاظ عليها كعنصر منتج في المجتمع.
من جهته، اعتبر أسامة أحمد أن الحل والمساهمة في تخفيف هذه الظاهرة يكمن في “اعتماد القوانين المدنية التي لا تميز بين المرأة والرجل، وألا يكون التشريع الإسلامي المصدر الوحيد للقوانين، إضافة إلى تمكين المرأة بالأدوات والوسائل اللازمة للمطالبة بحقوقها.
كما اعتبرت عباس أن “تطبيق المساواة بين الذكور والإناث في الأسرة، إضافة لتعديل المناهج وإدراج المعارف والتوعية بالمساواة بين الجنسين له دور كبير للحد من هذه الظاهرة”.