الروس يبحثون عن نصر سياسي في الغوطة الشرقية

  • 2018/02/25
  • 11:45 ص

المواطنون ورجال الإطفاء يصلون لإخماد النيران في الغوطة الشرقية - 24 شباط 2018 (الأناضول)

عنب بلدي – ضياء عودة

تتشابه الظروف التي تمر بها الغوطة الشرقية لدمشق مع ما شهدته مدينة حلب في أواخر 2016، وخاصةً في طريقة التصعيد العسكري التي تتعرض له بدءًا من التغطية الجوية المكثفة، ووصولًا إلى الحديث عن معابر من مناطق سيطرة قوات الأسد لإخراج المدنيين منها، لكن النقطة الفارقة بين الجهتين هي الوزن الذي تشغله الغوطة كآخر قلاع فصائل المعارضة في محيط العاصمة دمشق، والعقبة الأساسية التي تعترض النفوذ الروسي في سوريا ومعقل النظام السوري الأبرز.

أكثر من 450 مدنيًا قتلوا في ستة أيام، وطالت الغارات الجوية كافة مدن الغوطة، وسط تدهور في الحالة المعيشية لأهالي المنطقة، الذين انحصرت حياتهم اليومية في ملاجئ أرضية لم يسلم البعض منها كونها لا تقي من الصواريخ الارتجاجية التي تخترق أكثر من طابق ضمن البناء السكني، بحسب ما قال مدنيون لعنب بلدي.

ومايزال الحديث عن الغوطة متشعبًا بين تصريحات روسية مدعومة بذريعة وجود “جبهة النصرة” ومحاولات من قبل مصر “الضامنة” للوصول لوقف لإطلاق النار، وما يتزامن معها من استنكار من قبل المجتمع الدولي والشخصيات السياسية المعارضة بمن فيها أبرز سلطة معارضة “هيئة التفاوض العليا”.

منذ تدخلها العسكري في سوريا، عام 2015، اعتمدت روسيا أسلوب التصعيد الجوي لإثبات نفسها على الأرض وأمام القوى الدولية الأخرى اللاعبة والمؤثرة في الملف السوري، وارتبط التصعيد بأحداث وتطورات فرضها الواقع العسكري على الأرض من جهة، والتحركات التي تقوم بها الدول الأخرى وخاصة أمريكا وتركيا من جهة أخرى، وخاصة في الفترة الممتدة من أواخر 2016 الماضي، أثناء أحداث مدينة حلب، وصولًا إلى الظروف الحالية شرقي دمشق.

البحث عن نصر سياسي

في الأيام الأولى من عام 2018، أعلنت الأركان الروسية أن المهمة الرئيسية لها هي تدمير “جبهة النصرة” (المنضوية في هيئة تحرير الشام) التي يوجد بعض مقاتليها في مناطق “تخفيف التوتر”، وهو ما تنفذه حاليًا وفق رؤيتها في الغوطة، لكن ما يخالف الأمر العدد الصغير الذي تشكله في ريف دمشق الشرقي، إذ لا يتجاوز عددهم 200 عنصر منتشرين في مناطق القطاع الأوسط.

لكن، وعلى ضوء ما شهدته الأيام الماضية، منذ مطلع شباط الجاري، لم تنحصر الأهداف الروسية في الغوطة بالأعمال العسكرية فقط، بل كان للتصعيد مؤشرات سياسية أراد من خلالها الجانب الروسي تحقيق “نصر سياسي” بعد الفشل الذي شهده “مؤتمر الحوار الوطني” في “سوتشي”، وتبع الأمر عودة أمريكية لتثبيت الوجود في المناطق التي سيطرت عليها مؤخرًا.

وبحسب عضو وفد “أستانة” سابقًا، أيمن العاسمي، تعتبر الأهداف الروسية في الغوطة بمجملها سياسية- عسكرية، لكن السياسية هي الأبرز، إذ تريد روسيا أن تحقق نصرًا سياسيًا من خلال “تنظيف” المناطق المحيطة بدمشق، وما يؤكد ذلك الاتفاق في جنوب دمشق بإخراج عناصر من “هيئة تحرير الشام” إلى الشمال السوري، والذي تزامن مع العمليات العسكرية على الغوطة.

بناء على ذلك بدأ النظام السوري، المدعوم روسيًا، بعملية تأمين حزام العاصمة، وخاصة الخاصرة الشرقية التي يتعرض للتهديد الأكبر منها، لكن المفارقة ابتعاد الدور الإيراني عن الخطة المرسومة على خلاف المناطق الأخرى كداريا في ريف دمشق الغربي، وصولًا إلى مزارع بيت جن، إذ تروج روسيا في الغوطة لمشاركة “قوات النمر”.

لكن العاسمي اعتبر أن التصعيد لا يقتصر على الروس فقط بل على الإيرانيين، وقال لعنب بلدي إن الغوطة هي واحدة من المعارك التي تسهم في فرض الحل السياسي، والاستمرار بحملة التصعيد لا يمكن فهمه إلا بتقوية للموقف الروسي والإيراني، بعيدًا عن مصير رأس النظام السوري، بشار الأسد الذي سيتقرر في الأيام التي تعقب فرض الرؤية الروسية في سوريا.

إرضاء إيران في الجنوب

برؤية مختلفة، لا يمكن تجاهل الدور الإيراني في محيط العاصمة، ومحاولات إيران المتكررة في توسيع نفوذها وسط سوريا وخاصة في السنوات الأولى للثورة، ويدعم ذلك النقاط التي تنتشر فيها ميليشيات طهران في عدة مناطق بارزة في دمشق.

في الأشهر الأربعة الماضية دار الحديث عن نية الدول الإقليمية تحجيم دور إيران في سوريا، وخاصة من قبل الجانب الأمريكي والطرف الإسرائيلي على الحدود الجنوبية، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل كان للاتفاق الأخير بين روسيا وتركيا في إدلب دور بتوقف “الحلم الإيراني” في الوصول إلى منطقتي كفريا والفوعة.

الصحفي والمعارض السوري وائل الخالدي، اعتبر أن التصعيد العسكري في الغوطة بمثابة إرضاء روسي لإيران في الجنوب، إذ تخدم مصالحها بشكل ودي ولا تجد أي مشكلة في ذلك، مشيرًا إلى أن الجانب الروسي يعوّض إيران بما فعله في الجنوب كما عوضت تركيا في الشمال شرط أن تبقي مصالحها مستمرة في سوريا.

وقال الخالدي لعنب بلدي إنه لا علاقة لمؤتمر “سوتشي” بما يحدث في الغوطة، وهي ماضية به بشكل قانوني من قبل المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، رغم اتضاح الأمر بأنه فاشل في النهاية.

وأضاف أن روسيا تستطيع فرض ما تشاء ضمن “سوتشي” دون أي قصف والذي تركز قبل أيام من انعقاد المؤتمر لكسب أكبر حاضنة له، معتبرًا أن “الأمر متعلق حاليًا بالعلاقة الإيرانية- الروسية واستمرار الدعم بالمشروع الإيراني في دمشق وريفها”.

الفصائل تحمّل إيران وروسيا المسؤولية

وطالبت الفصائل العسكرية في بيان لها، في 23 شباط الجاري، الدول بتفعيل مبدأ المسؤولية عن الحماية، الذي أقرته الأمم المتحدة عام 2005، لوقف “نمط الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي تنفذ في الغوطة”.

وحملت الرسالة المسؤولية القانونية الكاملة لروسيا وإيران، “باعتبارهما طرفين معتديين على السوريين نفذا جرائم حرب”، مطالبة بملاحقة مسؤولي الدولتين أمام محكمة الجنايات الدولية، كما نسبت المسؤولية للحكومتين العراقية واللبنانية، “باعتبارهما مسؤولتين عن أعمال ميليشيات تقتل السوريين”.

المسؤولية باختيار “الضامن”

دخلت الغوطة الشرقية ضمن اتفاق “تخفيف التوتر”، في أيار 2017، ضمن محادثات “أستانة4″، ووفق اقتراح روسي صنفها إلى جانب إدلب وشمالي حمص والجنوب السوري.

لكن التوقيع حينها لم يتم بشكل أساسي في “أستانة”، بل في مصر التي تولت منصب الضامن للاتفاق، والإشراف على تنفيذ بنوده، الأمر الذي اعتبره العاسمي “الخطأ الأكبر” بالنسبة للفصائل العسكرية المتمثلة بـ”جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن”، والتي قبلت بطرف ضامن حليف للنظام السوري.

وأوضح المعارض السوري أن الفصائل تتحمل المسؤولية في وضع مصر كطرف ضامن لاتفاق “تخفيف التوتر”، والذي لم يوقع بشكل كامل في “أستانة” بل بحروف قليلة، وخالف ما تم رسمه في محافظة إدلب والتي كان الأتراك هم الضامنون لتنفيذ بنود الاتفاق الخاص بها.

وفي اليوم الثالث من حملة التصعيد على الغوطة، قالت مصادر سياسية مطلعة لعنب بلدي إن مصر تتحرك للوساطة من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الغوطة، وتزامن ذلك مع معلومات نشرتها صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن وصول ضباط مصريين إلى العاصمة دمشق من أجل إعداد تسوية للهجوم.

ونقلت عن مصادر لم تسمها أن الكلام يدور حاليًا حول مفاوضات روسية- مصرية- سورية، أي أن المصريين يجرون اتصالاتهم بـ “جيش الإسلام”، والروس يجرون اتصالاتهم بالنظام السوري، في محاولة للضغط على “جيش الإسلام” لدفعه نحو العمل على إخراج “هيئة تحرير الشام” إلى إدلب، وهو ما نفاه “جيش الإسلام” بعد ساعات.

وبحسب الصحيفة، فإن أهم المطالب التي يريدها النظام السوري هو “إخراج فيلق الرحمن وجبهة النصرة من المنطقة ودخول الجيش إلى مناطق طوق دمشق في زملكا وعربين وكفربطنا وغيرها لحماية العاصمة من القصف”.

واعتقد العاسمي أن قرار التصويت في مجلس الأمن على هدنة لوقف إطلاق النار ستتضمن خروج “هيئة تحرير الشام” منها، معتبرًا أن التهدئة ستصب في صالح المدنيين والمعارضة، كونهم “الحلقة الأضعف”، البعيدين عن أي دعم دولي من قبل القوى الإقليمية الكبرى.

هدنة 30 يومًا

صوتت الدول الأعضاء في مجلس الأمن لصالح قرار كويتي- سويدي، لإعلان هدنة مدتها 30 يومًا على الأقل.

ويتضمن القرار 2401، الذي تأجل التصويت عليه لأكثر من مرة بسبب الاعتراض الروسي، مطالبة جميع الأطراف بوقف إطلاق النار في كافة المناطق دون تأخير لمدة 30 يومًا على الأقل.

كما ينص على السماح بإجراء الإجلاء الطبي بشكل آمن وغير مشروط، والسماح للعاملين دون عراقيل في المجالين الطبي والإنساني.

وأكد على ضرورة رفع الحصار عن المناطق المأهولة بالسكان من قبل جميع الأطراف، بما في ذلك الغوطة الشرقية.

ويأتي القرار بعد تأجيل على مدار يومين، للوصول إلى صيغة توافقية مع روسيا، التي عدلت الصيغة من “يقرر مجلس الأمن” إلى “يطالب مجلس الأمن”.

وشككت الولايات المتحدة بالتزام النظام السوري بهذا القرار، بينما طالبت فرنسا وبريطانيا بتوثيق الخروقات وتطبيق القرار بشكل فوري.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا