عنب بلدي – رؤى الزين
لم تقلل الإصابات المتعاقبة التي تعرض لها علاء من إرادته وتصميمه على دراسة الطب البشري، ورغم أنه فقد اثنتين من أصابعه، وتأخر عن جامعته خمسة أعوام، إلا أن أملًا بتحقيق حلمه مايزال يلوح له مع كل شخص جديد ينقذه من الموت.
أُجبر علاء المحمود (25عامًا)، وهو من سكان قرية خطاب في ريف حماه الشمالي، على ترك أكوام الكتب والمحاضرات الجامعية خلفه هربًا من ملاحقة النظام، فقصد ريف إدلب الجنوبي، حيث بدأت رحلة جديدة من التحدّي.
“سنة جامعية واحدة في كلية الطب بحلب هي كلّ ما أملك، تركت بلدي وجامعتي حتى لا أصبح ضحية في سجون النظام”، يقول علاء لعنب بلدي، مضيفًا “بدأت عملي بالدفاع المدني عام 2013، ورغم خبرتي البسيطة إلا أنها كانت جيدة مقارنة مع بعض الخبرات التي كانت متوفرة حينها، وبالنظر إلى قلة الأطباء والمشافي”.
ولم يكن عمل علاء ضمن صفوف الدفاع المدني أمرًا سهلًا، إذ تعرض لإصابات عدّة أثناء محاولته إنقاذ الضحايا تحت الأنقاض، وكانت إصابته الأولى بشظية في الرأس، ثم أخرى تسببت بكسور في قدميه، أما الثالثة فأدت إلى بتر إصبعين في يده اليمنى.
لكن الإصابات تلك لم تثنه عن مواصلة عمله، والمساهمة إلى جانب 900 من زملائه الذين يشكلون فريق الدفاع المدني بإدلب، في تقليل الخسائر الناتجة عن غارات النظام السوري وحليفه الروسي.
ومع كل إصابة كان علاء يحاول إسعاف صاحبها، كانت رغبته في إكمال مسيرته التعليمية تزيد، على أمل أن يستطيع إجراء العمليات الجراحية، وتخفيف آلام المصابين.
خلال عام 2015 افتتحت “جامعة إدلب”، وحملت معها فرصة مهمة لعلاء الذي سارع إلى التسجيل في كلية الطب البشري، ورغم أنه عاد إلى “نقطة الصفر”، وبدأ من السنة الدراسية الأولى مجددًا، إلا أن دافعه كان أقوى مع تراكم الوقت.
“بدأت أدرس رغم كل الضغوطات من حولي، أريد أن أعالج الناس الذين رأيتهم يصرخون تحت الأنقاض، وأريد أن أحقق حلم أمي” يتحدّث علاء لعنب بلدي عن عاميه الدراسيين اللذين قضاهما في جامعة إدلب إلى جانب عمله في صفوف الدفاع المدني.
الطبيب محمد ديب زكور، مدرّس مادة “التشريح” في كلية الطب بجامعة إدلب، أكّد في لقاء مع عنب بلدي تميّز علاء في الناحيتين العلمية والعملية، وأضاف “لفت علاء انتباهي من خلال أسئلته المتميزة التي تدل على ذكاء حاد وإصرار على التعليم، إنه من طلابنا المتفوقين”.
وتستوعب كلية الطب بجامعة إدلب ما يزيد عن 500 طالب وطالبة في العام الدراسي الواحد، منذ افتتاحها قبل ثلاثة أعوام، ما يجعل تفوّق علاء أمرًا جديرًا بالاحترام، كما يرى مدرسوه، كون المنافسة ضمن هذا العدد الكبير ليست أمرًا سهلًا.
وصل علاء اليوم إلى السنة الدراسية الثالثة، وقطع نصف الطريق، أمّا الخبرة التي اكتسبها ومايزال يكتسبها من عمله الميداني، فهي ذخيرته التي شكلت دافعًا معنويًا كبيرًا له، وزادت من رصيده الطبي.
إلى جانب العمل والتعلم، أصبح لدى علاء مريم وجنى، طفلتاه اللتان رزق بهما من زوجة “كانت سندًا وبيتَ أسرار وإحدى أكبر المشجعين والداعمين” لمسيرته.