يعود كتاب “نقد نقد العقل العربي” للمفكر جورج طرابيشي، إلى أعمال الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري، الذي عمل على تشريح العقل العربي خلال القرن العشرين.
وتوصل الجابري إلى نتيجة مفادها أن العقل العربي متخلف ومقلد للغرب، ولا يستطيع الفكاك من هذا المصير بسبب خلل جوهري في تكوينه الثقافي والحضاري على مر التاريخ، معتمدًا على تحليل ثقافي وأخلاقي وسياسي ولغوي لأساسات العقل العربي.
ولقيت مؤلفاته رواجًا كبيرًا، لا سيما كتاب “نقد العقل العربي”، حتى إن طرابيشي نفسه الذي عاد لينقدها لاحقًا، وصفها بأنها ليست مجرد أطروحة تثقف، بل أطروحة تغيّر، موضحًا أن تفكير الإنسان سيختلف بعد قراءة العمل.
لكن وبصدفة ما، وقعت يد طرابيشي على مراجع اعتمد عليها الجابري، ليكتشف أن الأخير أوّلها بشكل يزيف حقيقتها، وهو ما دفعه للبحث عميقًا في هذه المراجع، ثم العودة لأعمال الجابري لكشفها على حقيقتها، خلال ثماني سنوات، قبل أن يخرج بكتاب نقد النقد.
اكتشف طرابيشي أن المشكلة عند الجابري ليست فقط في النتائج التي توصل إليها نتيجة مقدمات خاطئة، بل بطريقة طرح الأسئلة نفسها، التي أسهمت بدورها بحبس العقل العربي، وإقناعه بأنه عديم الجدوى.
وهكذا انصب جهد طرابيشي لإعادة قراءة التراث اليوناني والأوروبي الكلاسيكي والحديث، والتراث العربي الإسلامي الفلسفي والتاريخي والفقهي والكلامي والنحوي، وبفضل هذه المراجعة الشاملة والموسعة، تجاوز مؤلف طرابيشي من مجرد نقد، إلى إعادة تحديد مكانة العقل العربي مرة ثانية.
“نقد نقد العقل العربي”، الذي طرحه طرابيشي في عدة أجزاء، يعتبر واحدًا من أهم المؤلفات الفكرية في العالم العربي نهايات القرن الماضي، بالإضافة إلى عمل الجابري بالطبع، والذي يعترف له طرابيشي بأهمية أطروحته التي حركت القضية، ودفعته لتخصيص سنوات طويلة من حياته وجهده لإعادة التفكير بالعقل العربي.