أيهم الطه
مع إطلاق العديد من الدعوات الدولية والعربية لإيقاف القصف العنيف على غوطة دمشق، تبرز إلى الواجهة من جديد قضية المواقف المعلنة والأفعال الحقيقية الدولية، فرغم التنديد الدولي بما يرتكب من مجازر، إلا أن الفعل الحقيقي شبه معدوم، وربما تكون هذه هي إحدى ركائز العلاقات الدولية في البحث عن المصلحة، وليس عن القيم الأخلاقية التي تبقى مجرد شعارات لا تسمن ولا تغني.
نفق بلا نهاية
صورة قاتمة للسنوات المقبلة في سوريا واستمرار الحرب فيها، هذا ما أكدت عليه التقارير الأمنية في مؤتمر ميونخ الأمني الدولي، حيث شكلت الحرب السورية ومستجداتها أحد المحاور الأساسية في هذا التجمع العالمي، الذي بدأ في 1963، وحمل هذا العام عنوان “إلى حافة الهاوية- والعودة؟”.
وأوضح المؤتمر التشكك العالمي في الدور القيادي الأمريكي، كما بين توجه دول العالم إلى تشكيل مظلات حماية إقليمية خاصة في القارة الأوروبية، إذ علت أصوات ألمانية وفرنسية موضحة عدم الثقة في سياسة الإدارة الحالية الأمريكية الخارجية، في حين تحولت منصات المؤتمر إلى ساحة حرب مفتوحة تراشق فيها المحور السعودي- الأمريكي- الإسرائيلي- المصري الاتهامات مع كل من روسيا وإيران وتركيا.
المؤتمر، الذي ضم أكثر من 500 مشارك بينهم 21 زعيم دولة ورؤساء دول وحكومات، أقفل أبوابه بخلافات واضحة عكست المشهد الدولي المرتبك والمتخوف من الحروب المحتملة التي تقرع أبواب العالم بشدة، بينما وقف خارجه أكثر من 4000 متظاهر منادين بسلام بدل السلاح، ورافضين الحروب والتوترات العالمية بصوت مدني بدا أنه يختلف 180 درجة عن الأصوات الرسمية العالمية للحكومات والدول المجتمعة داخل قاعاته الفارهة.
فوضى على السطح
مجموعة من الصور رسمت المشهد، ربما تكون أوضح من الحبر الذي كتب حول المؤتمر، وربما كان أبرزها صورة بنيامين نتنياهو وهو يحمل جزءًا من حطام طائرة استطلاع إيرانية، موجهًا تهديدًا شديد اللهجة إلى الحكومة الإيرانية لتدخلها في سوريا، قابلتها صورة وزير الخارجية الايرانية جواد ظريف وهو يهزأ بتصرف نتنياهو معتبرًا أنه “مسرحية هزلية”.
أما الصورة الثالثة فكانت للرد التركي على تصريحات أمين الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، التي انتقد فيها التدخل التركي في عفرين، وجاء الرد عليها من قبل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بانتقاد عدم تدخل الدول العربية لحماية الشعب السوري.
ورغم هذه الانتقادات إلا أن المؤتمر كان منصة واضحة لنوعين من الخطاب، الأول يدعم التدخل الدولي في سوريا والثاني يركز على تعاون إقليمي لوقف نزيف الدم السوري ورفض التدخل الأمريكي في المنطقة، بالاعتماد على مظلة إقليمية توفر مقومات الحل السلمي من خلال تفاهمات محلية تحفظ وحدة الأراضي السورية وتضمن أمن جوارها.
ورغم بعد المسافة بين دمشق وميونخ، إلا أن المشهد في الداخل السوري لا يبدو بعيدًا عن المناكفات التي حدثت في أروقة المؤتمر الأمني العالمي، حيث يرتفع مستوى التنسيق بين قوات الحماية الكردية في عفرين والنظام السوري إلى أعلى مستوياته بموافقة ودعم روسي- إيراني عبر دعوة القوات الكردية الجيش السوري إلى الدخول نحو المدينة، بوصفها جزءًا من الأراضي السورية وحمايتها، كخط حدودي سوري، ملقاة على عاتق الجيش السوري.
ودخول جزء من ميليشيات النظام (القوات الشعبية) إلى عفرين وعدد من أحياء حلب الشرقية، التي كانت تحت السيطرة الكردية، يوحي بتنسيق وخط واضح متفق عليه محليًا بين النظام السوري والإدارة الذاتية الكردية، وبقبول إقليمي ضمني أو معلن وموافقة عالمية أمريكية أوروبية- روسية.
تفاهم وجده كثير من المحللين غريبًا، في ظل تباين واضح بين المشروع الكردي المدعوم أمريكيًا وخليجيًا، والمشروع الروسي الإيراني في دعم النظام السوري والسعي لبسط سيطرته على كامل الأراضي السورية، بما فيها الجزء الذي يقع شرقي نهر الفرات الذي يشكل المجال الجغرافي الحالي للمشروع الأمريكي في تشكيل كيان كردي بمقومات اقتصادية وعسكرية وحماية أمريكية تمكنه من مواجهة النظام السوري والصمود في وجهه.
تفاهم داخلي
فهل تغيرت طموحات الكرد وتقلصت مطالبهم مع تغير المعادلة المحلية داخليًا؟ وهل يتم إعادة تعويم النظام دوليًا كقوة مسيطرة على الأرض رغم إدانة بعض تصرفاته والتنديد الدولي بالمجازر التي يرتكبها كل يوم؟
وهل سيسمح الأمريكيون بامتداد النظام إلى شرق الفرات؟ أم يكون ذلك رهينًا بالتفاوض الجاري على بقاء القواعد الأمريكية في المنطقة؟ علمًا أن هناك الكثير من التسريبات عن استمرار بعض قنوات التواصل الأمني بين النظام والأمريكيين.
هو تعاون بين المحورين المتحاربين الروسي- الأمريكي، فإما تكون المدينة جزءًا من التصعيد أو بداية حل وجسرًا لتواصل الأطراف المتحاربة في سوريا، فالتفاهمات التي تجري هناك ومن تحت الطاولة وبعيدًا عن الإعلام والتصريحات النارية من جميع الأطراف توحي بحل ضمني يحوز على قبول جميع الأطراف رغم المهاترات التي تلقى للتسويق الشعبي.
الارتباك والفوضى على السطح والتصريحات العالمية بالمستقبل المظلم من الفوضى وانعدام الأمن قد تشكل عملية دفع لأطراف النزاع السوري لتخفيف مطالبهم مقابل إيجاد حلول تؤمّن الاستقرار في المنطقة، مع التأكيد المستمر عالميًا على التعامل مع النظام السوري رغم إدانته، وربما كانت مطالبة أحد الوزراء الألمان علنًا بالتعاون مع الأسد أوضح الخطوات في هذا الاتجاه.
ثلاثة جسور يبنيها المجتمع الدولي مع النظام السوري لإعادة تعويمه دوليًا والتواصل معه هي: مكافحة الإرهاب، الحفاظ على الأمن والاستقرار، طمأنة مخاوف دول الجوار.
رحم الله جميع ضحايا النزاع السوري المستمر منذ سبع سنوات، وما بقي من ضمير وأخلاق وإنسانية في المجتمع الدولي.