عنب بلدي – درعا
تعصف حالة من الفوضى الأمنية بمساحات واسعة من المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في محافظة درعا، ويكاد لا يمر يوم دون انفجار للعبوات الناسفة أو عمليات اغتيال أو اختطاف على الطرقات، ورغم انتشار العشرات من الحواجز العسكرية لمختلف الفصائل إلا أنها فشلت في إيقاف هذه الفوضى، وسط وعود قطعتها مرارًا بتكثيف جهودها وحواجزها لضبط الأمن في مناطق سيطرتها.
مؤخرًا، علت أصوات وجهت أصابع الاتهام إلى الحواجز، حول ارتكاب بعضها عمليات ابتزاز وفرض أتاوات مالية على السيارات المحملة بالبضائع التجارية، ما حوّل مطالب الأهالي من تكثيف الحواجز للتخلص من الفوضى الأمنية إلى مطالب بإزالتها للتخلص من الانتهاكات بحقهم.
المعاناة تخص أهالي حوض اليرموك
المعاناة من هذه الأتاوات طالت بشكل خاص أهالي حوض اليرموك الخاضع لسيطرة “جيش خالد بن الوليد”، المتهم بانتمائه لتنظيم “الدولة الإسلامية”، فقد عايش الأهالي، منذ منتصف 2016 إلى شباط 2017، الكثير من المعاناة على حاجز بلدة تسيل، الذي فرضت فيه الفصائل أتاوات مالية كبيرة على العابرين من وإلى الحوض، قبل أن يسيطر “جيش خالد” على الحاجز وتنتقل المعاناة إلى حاجزي الجبيلية وغدير البستان.
وليس بعيدًا عن حوض اليرموك، فقد اشتكى العديد من تجار المحروقات في مدينة نوى، فرض حاجز مساكن جلين الخاضع لسيطرة المعارضة أتاوات مالية عليهم، بحجة أن جزءًا من هذه المحروقات يذهب إلى مناطق سيطرة “جيش خالد”، وهو ما نفاه تاجر محروقات في مدينة نوى.
وقال التاجر، الذي رفض ذكر اسمه، “نقوم بتوريد المحروقات لمدينة نوى والقرى المحيطة، وليست مسؤوليتنا إن اشترى أحد كميات منها وهرّبها إلى داخل حوض اليرموك”.
وأضاف أن مسؤولية منع التهريب تتحملها الفصائل نفسها، موضحًا “الفصائل تفرض الطوق على حوض اليرموك ويجب عليهم منع التهريب، بعيدًا عن فرض الأتاوات على التجار”.
واشتكى التاجر من المبالغ المرتفعة التي يتقاضاها الحاجز، مشيرًا إلى أنها تجاوزت أربعة آلاف دولار في بعض الحالات بشكل يومي، وتتم بشكل منظم وليست حالات فردية.
وبحسب التاجر، فإن “الحديث عن تصرفات فردية غير مقنع، فلا يوجد عنصر يستجر من الأهالي آلاف الدولارات يوميًا دون علم قيادته”.
وبعد تزايد شكاوى التجار في مدينة نوى من حاجز جلين، أوضح المجلس العسكري في المدينة أنه توصل إلى اتفاق مع “جيش المعتز بالله” الذي يسيطر على الحاجز لإيقاف هذه الظاهرة، في الوقت الذي أبدى التاجر خشيته أن يكون هذا الإجراء “مؤقتًا”، وأن تعود الأمور لسابق عهدها بعد فترة.
ووقعت العديد من المشادات التي تطورات إلى اشتباكات بين التجار وعناصر حواجز الفصائل بعد رفض التجار دفع الأتاوات المالية، كان آخرها ما حصل على حاجز بلدة كفر شمس، بعد رفض سائق إحدى السيارات دفع أتاوة على حاجز البلدة، بحسب ما تحدث مصدر من البلدة لعنب بلدي، ليتطور الخلاف لاحقًا إلى اشتباك مسلح استدعى تدخل قوات فصل بين الطرفين، بعد أن أودى الاشتباك بحياة ثلاثة أشخاص بينهم سيدة اخترق رصاص الاشتباك منزلها.
أتاوات بإيصالات رسمية
في سياق متصل، تفرض عدة حواجز، تخضع لسيطرة وإشراف محكمة “دار العدل في حوران”، مبالغ مالية بإيصالات رسمية مختومة من المحكمة.
وأوضح مسؤول عن أحد حواجز محكمة دار العدل، اسمه “أبو علي المحاميد”، أن لدى المحكمة حاجزين فقط من هذا النوع، الأول على بوابة المحكمة والثاني غربي بلدة نصيب، ويملك الحاجزان إيصالات مالية ممهورة من المحكمة فقط.
وقال المحاميد لعنب بلدي، إن المبالغ المالية قُدرت بناء على الوزن الذي تحمله السيارة، وتم فرض مبلغ ألفي ليرة سورية على السيارات التي وزنها أربعة أطنان أو أقل، ومبلغ أربعة آلاف ليرة سورية على السيارات من أربعة إلى ثمانية أطنان.
أما الشاحنات الكبيرة فيتم تقاضي مبلغ ستة آلاف ليرة سورية عنها، وبحسب المحاميد تفرض هذه المبالغ على السيارات التي تنقل البضائع التجارية من وإلى مناطق سيطرة قوات الأسد في محافظة دمشق.
وأكد أنها تعود لصالح دار العدل فقط، وهدفها “تأمين الطعام للسجناء والمحروقات للتدفئة وبعض المستلزمات، وهي أيضًا لا تكفي لتغطية هذه المصاريف، إذ لم يتقاضَ موظفو المحكمة رواتبهم منذ شهر تشرين الأول 2017”.
وردًا على الاستفسار حول حاجز مساكن جلين، قال المحاميد إن “جيش المعتز بالله” قام باعتقال المتورطين في الحادثة، واصفًا إياهم بـ “قطاع الطرق”.
ولفت إلى عدم مسؤولية المحكمة عن حاجزي الجبيلية وغدير البستان اللذين يعتبران، بحسب تعبيره، “حواجز التشبيح لصالح الفصائل، وسعت دار العدل مرارًا لاستلام حاجزي داعل وكفر شمس من الفصائل العاملة في المنطقة إلا أنه تم رفض طلبها”.
لا يمكن فصل سوء الحالة الأمنية الذي تعيشه محافظة درعا عن الأتاوات التي تفرضها بعض حواجز فصائل المعارضة، والتي من المفترض أن تضبط الأمن لتتحول إلى فرض الرسوم المالية عبر حواجزها، ما يشير إلى أنها أضاعت البوصلة، أمام علامات استفهام كبيرة عن أسباب صمت وتجاهل “أصحاب القرار”.