أزهار الغوطة.. وزارعوا البطاطا
إبراهيم العلوش
في مثل هذه الأيام من كل سنة، تزهر أشجار الغوطة، وتنشر بشراها بقدوم الربيع، لكنها هذه السنة أزهرت مزيدًا من الموت، فالروس جلبوا معهم غروزني ونشروا دماءها ودمارها فوق الغوطة، والإيرانيون ينشرون سموم ميليشياتهم وأحقادها الطائفية وهي تعمل على تهجير أهل الغوطة.
أزهار الغوطة تتفق في يوم واحد وتعلن ازدهارها المفاجئ في كل سنة، والطائرات الروسية أيضًا، تقلع دفعة واحدة فوق الغوطة، وتنشر درس غروزني الذي حفظته عن ظهر قلب، وتؤديه بلا رحمة في الغوطة الشرقية.
الإيرانيون وميليشياتهم يفركون أياديهم في هذا البرد القارس، وهم يستعدون لالتهام الفريسة المتمثلة بأربعمئة ألف سوري، تتشارك الطائرات والميليشيات بحصدهم، ويصمت العالم، وتصمت منظماته الإنسانية وغير الإنسانية، ويعلن ديمستورا أن غروزني الغوطة، سيلحق بغروزني حلب، وستحتلها الميليشيات الإيرانية مثل حلب.
وفي مثل هذه الأيام من كل سنة ولقرون طويلة، يهبّ أهالي دمشق الى الغوطة ليتفرجوا على زهرها، وليستبشروا بقدوم ربيعها، أما اليوم فيتهيأ الشبيحة لزراعة الغوطة بالبطاطا، بدلًا من الأشجار المزهرة، فالبلاد التي ترفض وحشية عائلة الأسد مهددة بزراعة البطاطا بأيدي عبيد المستعمرين، وسدنة التعذيب والظلم، الذين يزينون به لأنفسهم زنا المحارم، وهم يستجلبون الجيوش لاحتلال البلاد السورية.
في الطريق من باب شرقي إلى النشابية، لا بد من أن يمر بك بيت شكري القوتلي، ولابد لك من تخيله وهو يرمي بهذه البلاد بين يدي مخابرات جمال عبد الناصر، ويسهم بتأسيس هذا الدمار مع مراهقي ضباط البعث، الذين كانوا يفكرون بالوحدة مع موريتانيا أكثر من تفكيرهم بمصير سوريا.
في الطريق إلى قلب الغوطة، لا بد من أن يستوقفك انتظام الأشجار وبساطة أحجامها، فهي ليست أشجارًا برية ومتروكة، فكل شجرة من أشجار الغوطة تحمل لمسات أهلها، وسلالة الفلاحين الذين توارثوا العناية بها، وتهذيب أغصانها، وتهجين ألوان زهرها في سلسلة طويلة من المعرفة بالزراعة تمتد آلاف السنين.
الروس يقصفون، الإيرانيون يقصفون، النظام يقصف، وشبيحته يحضّرون لزراعة الخراب بالبطاطا، والعالم يصمت بانتظار دورة الخراب الجديدة التي تستجلبها عائلة الأسد والنازيون الجدد.
ثمار غروزني الشريرة ينشرها الروس كثقافة، وكعلامة بارزة لنهضتهم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي (الصديق)، والإيرانيون يصدّرون أبرز أحقادهم السوداء، ويكيلون للسوريين المزيد من الميليشيات ومن الموت.
خمسمئة شهيد خلال خمسة أيام من القصف الروسي وأكثر من ألفي جريح، إنهم يحتفلون بحملة انتخابات بوتين الناجح سلفًا، ودائمًا مثل بشار الأسد، وحتى قبل عدّ الأصوات، فهو يستثمر مجازر غروزني، وينشر الرعب في بلاده قبل أن يعيد إنتاجه في سوريا.
باصات باب شرقي- النشابية لم تعد تمر منذ خمس سنوات، منذ الهجوم الكيماوي الأول للنظام على سكان الغوطة، هجوم فاجأ العالم وأذهله، فالنظام الاسدي تحول من استراتيجية التعذيب والقمع، إلى استراتيجية التدمير والقصف بالصواريخ ضد الشعب السوري، وليصل سريعًا الى حرب التدمير الشامل الذي ابتدأه في الهجوم الكيماوي على الغوطة في صيف عام 2013. نظام يتحول بسرعة كارثية من طور إلى آخر، ومن وحشية إلى أخرى، تتفوق عليها بالهمجية.
أزهار الغوطة التي يغيّبها القصف الروسي، والغازات السامة المنبثقة من اللحى الإيرانية، لم تنقطع عن الازدهار عبر آلاف السنين، وهي لن تنهزم أبدًا، ولن تتخلى عن الربيع الذي كانت تبشّر به كل عام، وعبر دهور طويلة من نشر الفرح، وألوان الأزهار المبشرة بالربيع.
أرواح الشهداء صارت وقودًا وسمادًا لأشجار الغوطة، ولن يستطيع أحد أن يخمد الربيع في الغوطة، لا غبار القصف، ولا تدمير المستشفيات، فالربيع صار في قلوبنا جميعًا، ولن نرضى الذل، ولن نرضى الاحتلال الذي يقوده زارعوا البطاطا، فهذه الغوطة وعبر آلاف السنين تزهر، وتثمر، وترسل منتجاتها عبر العالم، بعد أن يتفنن أهالي الغوطة بتصنيعها، وتجميلها، لتصبح أعجوبة تنقل جمال المكان، وبراعة أهله الذين يتوارثون صناعة الربيع.
بوتين ينكر أن قصف طائراته يتسبب بكل هذا الدمار للنساء وللأطفال وللبيوت وللأشجار، فالقصف الروسي حسب زعمه لا يقتل أحدًا من الأطفال، ولا يستكمل أبدًا مسيرة المذبحة الكيماوية، ولا يحاصر أربعمئة ألف من أهالي الغوطة، ويزرع حياتهم بالقذائف، وبالقنابل ليل نهار منذ خمس سنوات، والميليشيات الإيرانية تقيم الصلاة وترفع الأذان، وهي تحاصر سكان الغوطة، الذين لم يرضوا بظلم ربيبهم بشار الأسد، ولا بشبيحته زارعي البطاطا.
أهالي الغوطة المحاصرون اليوم داخل طوق الميليشيات الطائفية، وتحت طائرات الاحتلال الروسي، يتعرضون لابتزاز الوسطاء الذين يقنعونهم بالخروج من ديارهم وتركها للإيرانيين، وللأفغان، وللشبيحة، إنهم يتعرضون لهولوكست نازي، أمام نظر العالم، وأمام نظر منظماته الدولية، وأمام صمت الكثير من أبناء سوريا الذين رضوا بالذل والخضوع لنظام الأسد، وصار أبناؤهم أدوات للتدمير بحجج تسوّغ الموت، والقتل، وزراعة المدن والقرى المدمرة بالبطاطا.
ولكن هذا النظام، ومن التف به، ومن التحف بطائراته، وبطائرات المحتلين، وبميليشياتهم الطائفية، لا بد له من الزوال.. أجل لا بد له من الزوال ولا يحتاج الأمر للبرهان على زوال الظلم وعلى زوال الظالمين أبدًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :