أطفال يدفعون ثمن الحرب… عبد الكريم صهيب: «إعاقتي لن تمنعني من إكمال مسيرتي التعليمية»
عنب بلدي – العدد 138 – الأحد 12/10/2014
ولد بعد أربع سنوات وعاش حياته في الكفاح لإيجاد لقمة العيش له ولعائلته. والده الذي توفي من غير أن يراه لم يترك لعائلته سوى البيت الذي يعيشون به.
عبد الكريم صهيب طفل عاش بين أربع بنات وأمه، توفي والده قبل قدومه بشهرين بحادث مروري. عملت والدته في الخياطة والتطريز لتأمين لقمة العيش لأولادها، أمّا أخته الكبيرة التي تبلغ من العمر 24 عامًا كانت تعمل في إحدى صالات الأفراح وكانت تتقاضى راتبًا بالكاد يسد حاجاتها.
تعيش العائلة في ريف حماة منذ ما قبل الثورة السورية، ومع بدء الثورة بدأت المعاناة وتوقف عمل الوالدة وابنتها بسبب الظروف الأمنية والأحوال المادية التي لا تسمح بدفع الرواتب.
ويومًا بعد يوم بلغ عمر عبد الكريم عشر سنوات، وشاءت الصدف أن يكون عيد ميلاده العاشر مع بدء الثورة، فقد أتمّ العاشرة لتبدأ معاناته، خصوصًا أنه لا يملك أقارب يساعدونه سوى خالته المتقدمة في العمر وابن عمه الذي لم يره أبدًا منذ إقامته في دمشق.
فبسبب التدهور الأمني الكبير في ريف حماة نزحت العائلة إلى ريف إدلب، ليترك عبد الكريم مدرسته لأنه أدرك بأن العمل هو حبل النجاة الوحيد للخروج من الأزمة التي حلّت بهم، فبدأ يبيع الأقلام والدفاتر في الطرقات وفي داخله غصّة كلما رأى أطفالًا يذهبون إلى المدرسة، لينتقل بعدها للعمل في أحد مغاسل السيارات ليتعلم المهنة ويتقنها.
مضت الأيام وأحوال العائلة تتحسن رويدًا رويدًا، حتى أصبح عبد الكريم في الثانية عشرة من عمره، وهنا أصبحت أمور البلد تتدهور بشكل متسارع، والثورة تشتدّ في ريف إدلب، ما اضطرّهم للنزوح مرة أخرى ليحطّ بهم الرحال في ريف جسر الشغور ويعيشوا في أحد المدارس التي تحولت إلى ملجأ.
ذهب عبد الكريم ليبحث عن عمل فلم يجد سوى بيع المواد النفطية، وبالفعل بدأ بالعمل ليتحسن حال العائلة للأفضل، حيث استأجرت العائلة بيتًا، لكن الاستقرار لم يدم طويلًا، حتى أتى الخبر لعائلة عبد الكريم بأنّ ابنهم قد أصيب جراء سقوط قذيفة بجانبه وهو الآن بالمشفى. هرعت الأمّ المنكوبة على طفلها الذي لم يرَ من حياته سوى الشقاء والتعب لتجد الفاجعة.. ساق ابنها عبد الكريم بُترت وهو الآن في غيبوبة.
لم تتحمّل الأمّ الموقف فأصابها انهيار عصبي وسقطت أرضًا، لتنقل إثره إلى العناية المشددة… بعد أيام خرجت الأمُّ وطفلها من المشفى إلى المنزل، وبقوا هناك حتى نفذت أموالهم، فلم يبقَ أمامهم سوى النزوح الأخير إلى تركيا لينتهي بهم المطاف إلى أحد المخيمات التركية في مدينة أضنة.
عبد الكريم الطفل النزيه الأمين، نبيل الأخلاق وهادئ الأعصاب، أزرق العينين يمتلك جثّة ضخمة تفوق عمره بكثير، يتحدث لعنب بلدي عن طموحه ومستقبله بعد إعاقته الجسدية «إعاقتي لن تمنعني من إكمال مسيرتي التعليمية بالعكس تمامًا فإنها سوف تزيدني عزمًا وإصرارًا على تحقيق طموح والدتي».
أمّا والدته التي كانت تطمح لأن تجعل عبد الكريم مهندسًا فتقول «ولدي الآن يكمل دراسته في تركيا وسأسعى إلى تحقيق حلمي وحلم والده في هذه الحياة».
هنالك الكثير من هذه القصص الأليمة التي تمخضت عن الثورة السورية، وفي أتون الحرب المستعرة تعرّض الكثير من الأطفال للقتل والاختطاف والاغتصاب، لم يرحم براءتهم أحد، حيث حاول بعض المتاجرين بالثورة وبمعاناة السوريين أن يستغل مأساة الأطفال، ويجمع تبرعات بالغش والتدليس لهم، وفي ظل تواصل تلك المأساة الإنسانية المروعة، ترفع المنظمات الدولية المعنية بالأطفال النداء من أجل مساعدة أطفال سوريا ودعمهم بكافة أشكال الدعم، لإنقاذ أجيال سوريا القادمة من الضياع.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :