أسماء مصرية ورأس مال خليجي
اندفاع مصري لـ “إعمار سوريا”.. ماذا وراءه؟
عنب بلدي- مراد عبد الجليل
“السوق السورية تعد من الأسواق الواعدة لمنتجات مواد البناء المصرية خلال الفترة الحالية”، وصف أطلقته المديرة التنفيذية لـ “المجلس التصديري لمواد البناء” المصري، حنان إسماعيل، في تشرين الثاني الماضي، على أهمية سوريا بالنسبة للشركات المصرية ومشاركتها في ملف إعادة الاعمار.
الشركات المصرية، كغيرها من شركات الدول الحليفة والداعمة للنظام السوري، تتزاحم في سوريا من أجل الحصول على حصة من نصيب ملف إعادة الإعمار الذي يصفه البعض بـ “منجم ذهب” يغري المقاولين وكبار رجال الأعمال بسبب العائد المالي الذي يمكن تحقيقه من إعمار بلد مدمر نتيجة حرب مستمرة منذ سنوات.
وبالرغم من أن عملية إعادة الإعمار غامضة حتى الآن ومرتبطة بالتسوية السياسية، إلا أننا نجد الشركات المصرية تسابق الزمن خلال الأشهر الماضية لتملّك حصتها.
الحديث عن مشاركة الشركات المصرية بدأ في الربع الثاني من العام الماضي، عبر زيارة وفود مصرية من غرفة التجارة إلى سوريا، قبل توجيه الشركات كتابًا إلى حكومة النظام السوري، بحسب صحيفة “تشرين” الحكومية في تموز الماضي، اعتبرت فيه أن “سوريا تتمتع بمناخ استثماري مميز ومشجع وجاذب بفعل الفرص الاستثمارية التي يملكها هذا البلد والموقع الاستراتيجي الذي يتوسط قارات العالم”، لتأتي بعدها مشاركة أكثر من 30 شركة مصرية وبجناح تجاوز 600 متر في معرض دمشق الدولي، بدورته الـ 59 في آب الماضي، ما اعتبره البعض تطبيعًا اقتصاديًا مع النظام السوري.
واعتبر رئيس اتحاد الغرف التجارية، أحمد الوكيل، الذي ترأس الوفد، أن المشاركة المصرية رسالة قوية للتعاون بين رجال الأعمال السوريين والمصريين، وأن الحكومة السورية جاهزة لتقديم مختلف التسهيلات اللازمة.
وبعد الإعلان من قبل النظام وروسيا عن الانتصار على تنظيم “الدولة الإسلامية”، بدأت وزارة التجارة والصناعة المصرية تحركاتها واتصالاتها مع الشركات المصرية من أجل التمهيد والدخول إلى السوق السورية، إذ عقدت اجتماعًا، في تشرين الثاني الماضي، مع مجتمع المصدرين استعدادًا للمشاركة وتعزيز الدور المصري في إعادة إعمار سوريا، وقالت في بيان إن هناك بالفعل طلبًا كبيرًا على منتجات الحديد والصلب والنحاس والألمنيوم ومصنوعاتها والسيراميك والمواد العازلة والأدوات الصحية المصرية من قبل السوق السورية.
وإلى جانب ذلك، يدور الحديث عن زيارة وفود من شركات مصرية إلى سوريا، الشهر الجاري، بحسب ما أعلنه العضو المنتدب لـ “شركة النصر للتصدير والاستيراد” الحكومية المصرية، محمد شعير، الذي أكد لصحيفة “الدستور” المصرية، في 6 شباط الجاري، أن الشركات المصرية سيكون لها دور في ضخ استثمارات جديدة، تتثمل في مشروعات زراعية وصناعية، إلى جانب تصدير في قطاعات الأدوية والأغذية الجافة، مشيرًا إلى أن مشروع إعادة إعمار سوريا سيسهم في زيادة إيرادات شركات قطاع الأعمال المشاركة، وبالتالي زيادة خزينة الموازنة العامة للدولة.
من جهته أكد رئيس شركة النصر للإنشاءات والمباني (إيجيكو)، أحمد أبو شبانة، أن شركات المقاولات المصرية جاهزة للدخول في مجالات إنشاء المطارات والموانئ البحرية وإنشاء المصانع الجديدة التي سيتم تدشينها في سوريا.
كما أعلن رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، فتح الله فوزي، في 7 شباط، عن زيارة وفد من الجمعية إلى سوريا نهاية الشهر الجاري، يضم 20 شركة لبحث فرص إعادة الإعمار، التي لن تقتصر على شركات التشييد والبناء فقط بل ستمتد إلى مختلف القطاعات، منها الصناعات الغذائية والسلع الكهربائية، بالإضافة إلى مواد البناء المختلفة.
هل تُحرّك روسيا الشركات المصرية؟
الاهتمام الكبير للشركات المصرية وتصريحات مسؤولي الاقتصاد دفع البعض إلى طرح العديد من التساؤلات حول الأسباب التي تدفع برؤوس الأموال إلى ساحة مازالت غير مستقرة وتواجه صراعًا من دول إقليمية، خاصة وأن “رأس المال جبان”، بحسب وصف القائم بالأعمال في السفارة المصرية في دمشق، محمد ثروت، الذي قال لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام، في آب الماضي، إنه “من الصعوبة المجيء وبدء إعادة الإعمار، مادامت هناك حرب قائمة، لأن رأس المال جبان، فالحل السياسي يؤدي إلى الاستقرار وإعادة الإعمار”.
رئيس مجلس إدارة شركة “جلوبال كابيتال” لتداول الأوراق المالية، المحلل المصري محمد فؤاد، أرجع، في حديث إلى عنب بلدي، توجه الشركات المصرية إلى سوريا إلى أنه يأتي انطلاقًا من مساهمتها بإعادة إعمار أي دولة عربية، إلى جانب فائدة الشركات الخاصة وتوسعها، في وقت توجد في مصر شركات قوية قادرة على القيام بدور إعادة الإعمار بشتى المجالات.
لكن المحلل الاقتصادي السوري سقراط العلو اعتبر أن دخول الشركات المصرية يأتي لسببين، الأول علاقة مصر مع النظام السوري، التي تحسنت عقب وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، والذي حاول اتخاذ موقف الحياد في القضية السورية، إلا أن العلاقة مستمرة وجيدة رغم أنها غير معلنة، خاصة وأن الوقائع على الأرض تشير إلى وصول أسلحة من مصر إلى النظام.
كما أن دخول الشركات يأتي بدفع من روسيا بسبب التقارب المصري- الروسي، إن كان على الصعيد العسكري أو الاقتصادي، وتقديم روسيا قرضًا بـ 25 مليار دولار لإنشاء مفاعل الضبعة النووي، بحسب ما أشار إليه العلو في حديث لعنب بلدي، وأكد أن التقارب بين البلدين فتح المجال أمام الشركات المصرية للدخول إلى إعادة الإعمار، وخاصة أن روسيا والأسد يحاولان التسابق والبدء بالإعمار في مناطق سيطرتهم، وهذا ما حصل في بعض أحياء داريا بريف دمشق في إطار مشروع الرازي، عبر وضع مخططات وترحيل أنقاض، وضمان أخذ شركات الدول الحليفة نصيبها من العقود.
إلا أن المحلل المصري فؤاد اعتبر أنه لا علاقة لروسيا بتوجيه الشركات، ولكنه لم يخف أن الاندفاع مبني على “موافقة مبدئية من القيادة (المصرية) التي تأخذ قرارها بناء على رؤية سياسية”.
مصر ممر السعودية إلى سوريا
التطور المفاجئ على مشاركة مصر في إعادة الإعمار كان عبر إطلاق مجموعة من المستثمرين المصريين والسعوديين مبادرة مشتركة بين الاتحاد العام المصري للغرف التجارية، وغرفة التجارة السعودية، ومجلس الأعمال المصري- السعودي، لتنفيذ عدد من المشروعات الاستثمارية المشتركة في عمليات إعادة إعمار ليبيا وسوريا والعراق خلال الفترة المقبلة، بحسب ما نقلت صحيفة “المصري اليوم”، عن رئيس اتحاد الغرف التجارية المصرية، أحمد الوكيل.
وأوضح الوكيل أن هناك اتفاقًا مع السعودية لفتح آفاق جدية للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، وضخ استثمارات جديدة داخل أسواق ليبيا والعراق وسوريا، وتنظيم مؤتمرين موسعين ومعرضين في كل من سوريا وليبيا، خلال نيسان وأيار المقبلين، بمشاركة رجال أعمال وشركات مصرية وعربية، الأمر الذي عده البعض عودة سعودية إلى سوريا بغطاء مصري.
الباحث الاقتصادي سقراط العلو أوضح أن الشركات المصرية ورؤوس الأموال الخاصة لن تكون قادرة على دخول سوريا دون دعم خليجي بسبب التكلفة الكبيرة لحجم الدمار، مؤكدًا على إمكانية قيام تعاون خليجي- مصري كونه فرصة استثمارية لرجال الأعمال الخليجيين، وهذا التدخل لن يكون رسميًا وإنما تحت غطاء شركات مصرية.
وتربط السعودية مشاركتها بإعادة الإعمار في سوريا بالحل السياسي والوجود الإيراني، بحسب العلو، الذي اعتبر أن الإدارة السعودية الجديدة بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، تسير في التطوير الاقتصادي والاستثمارات، وهذا لا يمنعها من فصل المواقف السياسية عن الاقتصاد، وبالتالي الاستفادة من فرص الاستثمار في سوريا عن طريق إرسال رجال أعمال بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عبر شركات مصرية أو لبنانية.
وحول رد فعل النظام السوري على دخول الشركات السعودية، أشار العلو إلى أن ما يهم النظام هو انطلاق العملية، لأن انطلاقها سيؤدي إلى تحسن اقتصادي وإرسال رسالة إلى المجتمع الدولي بأن الحرب انتهت وأن “الأسد انتصر”، لذلك فإن الاتحاد الأوروبي وأمريكا يربطان إعادة الإعمار بالحل السياسي.
من جهته اعتقد فؤاد أن مصر يمكن أن تقوم بدور الوسيط بين السعودية والنظام السوري لإزالة الخلافات السياسية التي حدثت سابقًا، مشيرًا إلى أنه من مصلحة سوريا ومصر والسعودية تذليل جميع الخلافات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :