إبراهيم العلوش
يوم الأربعاء السابع من شباط 2018، شن ملالي إيران بالتعاون مع حلفائهم الروس غزوة على حقل الغاز “كونيكو” الذي ينتج عشرة ملايين متر مكعب من الغاز يوميًا، وهذا الحقل يقع شمال شرق دير الزور في سوريا، وعلى مقربة من الطريق التي يأمل آيات الله بتدشينها لتؤلف هلالًا طائفيًا، وتستتبع عبرها البلاد السورية لحكم ولاية الفقيه ونزواته وأحقاده الدينية والقومية.
الروس كانوا قد عقدوا تفاهمًا مع الأمريكيين حول اقتسام الجزيرة السورية، وتركها للأمريكيين، مقابل أن تترك لهم القوات الأمريكية مدينة دير الزور، لكن مافيا الاستثمارات البترولية الروسية فطنت إلى أن الأمريكيين قد احتلوا آبار البترول في الجزيرة السورية، ولم يتركوا شيئًا لهم يستتبعونه لسوريا المفيدة، التي يخططون للاستيلاء عليها طوال نصف القرن المقبل، كما تنص اتفاقية الاحتلال الروسي لسوريا، والتي وقعها النظام معهم خلال العام الفائت، وقد أعلنت رسميًا كوثيقة انتداب واستيلاء على ما تيسر من سوريا.
أعد الإيرانيون العدة وجهزوا ميليشياتهم في لواء “فاطميون”، وملحقاتهم الوطنية التي التحق بها العائد الى حضن الوطن نواف البشير، ومن يتبعه من المرتزقة والعاملين في لواء “الباقر”، وقاموا بالتنسيق مع شركة “فاغنر” العسكرية الروسية التي تعمل لحساب أعضاء المافيا الروسية، الذين استولوا على أجزاء من ثروات سوريا الباطنية، بفضل تقربهم من بوتين، ومن ابنته، أوهم يغطون على مكاسبه الشخصية من أعمال القتل والتدمير في سوريا.
وهكذا تم تنظيم غزوة إسلامية إيرانية، بالتنسيق مع المافيا الروسية، ضد الشيطان الأكبر، كما تصف إيران “أمريكا” وضد حلفاء ذلك الشيطان من الماركسيين القوميين، مرتزقة جبال قنديل، الذين تدحرجوا إلى السهول السورية، بعد عقود من حربهم الخاسرة في جبال شرق تركيا.
لو قُيض لهذه الغزوة أن تنتصر، وأن تنال حقل “كونيكو”، لدرّسها الإيرانيون في مناهجهم، وفضلوها على غزوة بدر، لما لها من مكاسب ودلالات استراتيجية بالنسبة لهم.
ولكن الطائرات الأمريكية كانت لهم بالمرصاد لتقتل 137 من الميليشيات الإيرانية وتوابعها الوطنية وغير الوطنية، كما اعترفت بذلك وسائل إعلام النظام المرتهن لإيران ولروسيا.
مكان الغزوة في شمال شرق دير الزور، وفي منطقة هي عبارة عن بادية قاحلة، لم يزرع فيها الأسد الأب، ولا الأسد الابن، شجرة خضراء واحدة، وإنما رهنها للشركات الغربية مقابل حصص لعائلة الأسد. وقد تم وصف أيدي الأسد وعائلته، بالأيدي الأمينة، كما قال أحد المسؤولين لمجلس الشعب، ردًا على سؤال أين تذهب أموال البترول السوري، ولماذا لم تلحظ في الموازنة منذ عشرين سنة!
وفي نفس الوقت الذي تحدث فيه ذلك المسؤول، تعطل في تلك المنطقة، قطار دير الزور- الحسكة، وترك الركاب ثلاثة أيام في البادية، حتى حنت عليهم شركة النقل الداخلي في دير الزور وأعادتهم من التيه وأنقذتهم من الموت المحتم.
قوات قسد التي يقودها رجال البي كي كي، كانت قد عقدت صفقة في الرقة مع داعش بإشراف أمريكي لترحيل من تبقى من مقاتلي داعش في تشرين الأول من العام الفائت، وهم حوالي 4000 مقاتل مع عائلاتهم، ورحّلتهم إلى منطقة شمال شرق دير الزور، حيث توجد حقول النفط والغاز، وبحماية الطائرات الأمريكية، وبقافلة بلغ طولها حسب محطة بي بي سي حوالي عشرة كيلومترات، وقد عرضت المحطة لقطات من القافلة وهي تحمل مقاتلي داعش، وأسلحتهم، وعائلاتهم، وعرضت مقابلات مع بعض السائقين الذين كلفتهم قسد بنقلهم، وظل التقرير معروضًا طوال أشهر على موقعها الإلكتروني.
وبعد تلك الصفقة تم الاستيلاء وبالاتفاق مع داعش على حقل “كونيكو” وغيره من حقول البترول، والغاز، وأشهرها حقل العمر. واستبق المحتلون الأمريكيون مع حلفائهم، الفريق الآخر صاحب غزوة “كونيكو”.
ما خرج فجأة الى العلن أن عدد القتلى ليس صحيحًا، وأن الخسائر الروسية وحدها بلغت 200 قتيل من قوات “فاغنر” الروسية الخاصة، كما قال رائد جبر في صحيفة الشرق الأوسط من موسكو، ونقلًا عن وكالات الأنباء الروسية.
وقد أوردت وكالة رويترز تقريرًا من موسكو يحدد عدد القتلى والجرحى بـ 300 من المرتزقة الروس وحدهم، وهذا ما جعل الرئيس الروسي صاحب الانتصار الكبير في سوريا، يتمارض ويغيب عن الإعلام، بينما وزارة الدفاع الروسية قالت بأن لا علم لها بوجود قوات روسية خاصة في سوريا، ولا تعلم شيئًا عن عدد الخسائر التي لحقت بهم، من جراء غزوة “كونيكو” الإيرانية على قوات قسد في ذلك الحقل.
المرتزقة الروس في مجموعة “فاغنر” العسكرية وغيرها، والذين يتدربون في القواعد الروسية في سوريا، وتحت إشراف الضباط الروس، سبق لهم وأن حققوا ظهورًا في مدينة تدمر، وفي مدينة السخنة، التي هجّروا أهلها، وساهموا بتدميرها مع قوات داعش، وكانت حفلة الأوركسترا التي أقامها الروس في تدمر تحت حماية قوات “فاغنر” وغطاءً لتدخلها العسكري مع قوات النظام.
ومن منتجات غزوة “كونيكو” قتل أحد أولاد نواف البشير حليف الإيرانيين، الذي خان الثورة السورية، وصار مرتزقًا عند الإيرانيين، أما عدد القتلى السوريين الآخرين، فلا أحد يكترث له، ولا يهمه، فالسوري دمه حلال ومباح. وقد شرّعت وزارة الخارجية السورية ذلك عندما قال ناطق باسمها، بأننا نريد استرجاع الأراضي السورية، ولا نريد استرجاع الناس، فالناس في عرف هذا النظام النازي لا قيمة لهم، ويمكن للقيادة الحكيمة أن تستجلب خلقًا غيرهم، من إيران، أو من أفغانستان، أو من العراق، وتوزع عليهم ما استرجعته من الأراضي السورية.
غزوة “كونيكو” الإيرانية تعبير عن صراع بين جيوش وميليشيات الاحتلال للأراضي السورية، والمنتصر فيها لا يهمه السوريين، ولا ما حلّ بهم، وهم مثل النظام وشبيحته، يهمهم تجميع المكاسب، وتنظيف الأرض، والمدن، والقرى من السوريين… هذا ما يفعله الإيرانيون، والروس، والأمريكيون، ومرتزقة البي كي كي، الذين يتصارعون على مقدرات الشعب السوري، ويشرعنون نهبها.