زنار النار.. يشفى عفويًا لكنه قد يترك عقابيل خطيرة
د. أكرم خولاني
يصاب بعض الناس بمرض زنار النار، ومع أن المريض يشفى بشكل تلقائي في معظم الأحيان، إلا أنه لا يمكن الاستهانة بأعراض هذا المرض ولا بمضاعفاته، فرغم ندرتها إلا أنها شديدة الخطورة، ويمكن أن تترك أضرارًا دائمة كفقدان البصر، ويكمن الحل لمواجهتها بتشخيص الإصابة في مرحلة مبكرة ومعالجتها بالطريقة المناسبة.
ما هو مرض زنار النار
زنار النار، أو الحزام الناري، أو داء المنطقة، أو الزونا، أو الحلأ النطاقي أو العصبي Herpes zoster/Shingles، كلها مسميات لنفس المرض، وهو مرض جلدي نتيجة التهاب فيروسي في عصب حسي معين وسطح الجلد الذي يغذيه هذا العصب، يتميز بظهور طفح جلدي شديد الاحمرار على مسار العصب المصاب، مع ألم شديد، وشعور بالحرقان، وهذا سبب تسميته بالحزام الناري.
ينجم مرض زنار النار عن الفيروس نفسه المسبب لمرض جدري الماء (الحماق)، وهو الفيروس النطاقي الحماقي Varicella-Zoster Virus، فبعد الإصابة بجدري الماء لأول مرة يبقى الفيروس مختبئا في العقد العصبية لمدة قد تصل إلى سنوات عديدة، وإذا ما تم تنشيطه من جديد فإنه يتخذ الأعصاب كخط له حتى يبلغ الجلد على شكل الحلأ النطاقي، وننوه هنا إلى أن فيروس الحلأ النطاقي يختلف عن فيروس الحلأ البسيط رغم تشابه المرضين بالاسم.
إذن لا يمكن أن يحدث زنار النار دون الإصابة الأولية بجدري الماء، وعادة يصاب الشخص بهذا المرض مرة واحدة في حياته، ومن النادر أن تتكرر الإصابة به لمرتين أو أكثر.
قد يصيب المرض جميع الأعمار كالأطفال و كبار السن، لكنه يندر تحت سن 10 سنوات، كما أنه ينتشر بشكل رئيسي بين البالغين وخاصة من هم فوق الخمسين من العمر، ولا يعرف غالبا سبب تنشط الفيروس، لكن يعتقد أن التقدم بالسن هو أحد الأسباب، إضافة لأسباب أخرى كضعف المناعة والتوتر والانفعال الشديد.
وتشير الدراسات إلى أن نسبة الإصابة بهذا المرض مرتفعة نسبيا، إذ يصاب شخص من بين كل ثلاثة أشخاص بهذا المرض على مستوى العالم.
ما أعراض الإصابة؟
عادة ما يصيب فيروس الحماق النطاقي عصبًا واحدًا على جانب واحد من الجسم، وتظهر الأعراض في منطقة الجلد التي يغذيها العصب، والأعراض الأكثر شيوعًا هي الألم الشديد، والشعور بالحرقة، والطفح الجلدي، وتشمل الأعراض الشائعة الأخرى ألمًا في الجلد عند اللمس، والصداع، والحمى، والقشعريرة، والشعور بالضعف العام، وألم المفاصل، وألم العضلات وضعفها، مع تضخم للغدد اللمفاوية المجاورة للمنطقة المصابة.
ينتشر المرض عادة على الأعصاب التي تغذي جلد الصدر أو البطن، ويؤثر أحيانًا على المناطق التناسلية، وقد يشعر المرضى الذين يعانون من الإصابة على الجذع بتشنجات مؤلمة بعد التعرض لأي لمسة طفيفة جدًا، كما يمكن أن تصاب أعصاب منطقة الوجه العلوي، وتحديدًا منطقة الجلد حول العين، وفي حال تعرض أعصاب الوجه لهذا الفيروس قد يسبب شللًا في الوجه، أو صعوبة في تحريك عضلات الوجه، ومشاكل في حاسة التذوق، ومشاكل في النظر، وفقدان السمع، وفقدان القدرة على تحريك العين، وهبوط جفن العين، ويمكن للإصابة أن تؤثر على العين، وتسمى عندها بهربس العصب البصري، حيث يغزو الفيروس عصب العين ويسبب التهابات مؤلمة للعين، وقد يتسبب بخسارة مؤقتة أو دائمة للرؤية.
وعادة ما تأخذ أعراض الزنار الناري المسار الآتي في الظهور:
ألم حاد، ووخز، وخدر، وحكة على جزء معين من الجلد، وعلى جانب واحد من الجسم، علمًا أنه ربما يكون غير مؤلم، خصوصًا لدى الأطفال.
ثم يظهر الطفح بعد يوم إلى خمسة أيام من بدء الإحساس بالألم، وقد يحدث ألم لا يصاحبه أي طفح، لكن عادة ما يبدأ الطفح على شكل بقع حمراء ناعمة، تتطور إلى بثور مملوءة بسائل تشبه طفح جدري الماء، ولكن فقط على منطقة واحدة من الجلد والتي يغذيها العصب المتأثر، وفي بعض الأحيان يتأثر اثنين أو ثلاثة من الأعصاب إلى جانب بعضها البعض، كذلك قد تندمج البثور وتشكل بقعة حمراء صلبة تبدو وكأنها حروق شديدة، وفي حالات نادرة، بالأخص لدى الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، قد يكون الطفح الجلدي أكثر اتساعًا، ويتشابه مع طفح جدري الماء، بحيث يغطي مناطق واسعة من الجلد.
قد يستمر ظهور بثور جديدة لمدة تصل إلى أسبوع، ثم تبدأ البثور بالجفاف تدريجيًا لتشكل قشورا بعد سبعة إلى عشرة أيام من ظهورها، وقد تخلف الإصابة بعض الندبات الطفيفة في مكان تلك البثور.
يبدأ الألم والأعراض بالزوال بشكل عام وبالتدريج، ففي الحالات غير المعقدة للمرض يتم الشفاء خلال فترة 2-3 أسابيع بالنسبة للأطفال والبالغين ومن 3-4 أسابيع بالنسبة لكبار السن.
كيف يتم التشخيص؟
يتم التشخيص عادة بناءً على القصة المرضية والفحص السريري، فوجود طفح على شكل حويصلات تصطف بجانب بعضها البعض على مسير عصب معين، وفي جهة واحدة من الجسم، مع وجود ألم حارق سبق ظهور الطفح بعدة أيام، كل ذلك يعتبر من الركائز المهمة في تشخيص الحزام الناري.
وقد يضطر الطبيب لإجراء بعض الفحوص الطبية مثل تعداد الكريات البيضاء، أو فحص سائل محتوي الحويصلات تحت المجهر للكشف على الفيروس.
ما المضاعفات المحتملة للإصابة؟
- ألم عصبي تالٍ للمرض Postherpetic neuralgia، فقد يستمر الألم بعد اختفاء البثور والطفح لمدة 4 أشهر على الأقل، بسبب قيام الأعصاب المتضررة بإرسال إشارات خاطئة ومبالغ فيها بالألم إلى الدماغ.
- مضاعفات في العين أسوأها فقدان البصر، فقد يتسبب ظهور حزام النار قرب العين بالتهابات مؤلمة في العين ما قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بها وبشكل دائم.
- مضاعفات في الأذن، كصعوبات السمع، واضطراب التوازن.
- مشاكل في الأعصاب، فقد يتسبب المرض بشلل في الوجه، وفقد حاسة التذوق.
- التهابات جلدية، فإذا لم يتم علاج البثور الناتجة بالشكل الصحيح قد تتطور إلى التهابات وعدوى جرثومية في البشرة، وقد تحصل الندبات في الحالات الشديدة، ولا سيما عند الأشخاص الذين تكون مقاومتهم قليلة، أو عند كبار السن.
- نادرًا ما يتسبب الحزام الناري بالالتهاب الرئوي، أو التهاب الدماغ أو الموت.
كيف يتم علاج زنار النار؟
تعتبر الراحة التامة في المنزل ضرورية عند الإصابة بالفيروس، كون الإرهاق يزيد من حدة المرض، كما يعتبر الغذاء الجيد أساسيًا لمكافحة المرض، وغالبًا ما يتم الشفاء تلقائيًا دون علاج محدد للمرض نفسه، ويكون العلاج لتخفيف حدة الأعراض، وللتقليل قدر الإمكان من احتمالية تطور المضاعفات، وتشمل هذه العلاجات:
مضادات الفيروسات: مثل أسيكلوفير، وفالسيكلوفير، وفامسيكلوفير، وهي تساعد في تقليل مدة المرض، وتعتبر ضرورية للمريض إذا كان يعانى من نقص المناعة، أو كان كبير السن، أو كانت هناك إصابة في الوجه، ويفضل استخدامها خلال 24 ساعة من ظهور الألم، وتكون على شكل أقراص فموية تؤخذ 4-5 مرات يوميا لمدة 10 أيام، وأحيانًا في الحالات الصعبة يعطى أسيكلوفير حقنًا بالوريد لعدة أيام فقط.
مسكنات الألم: تستخدم في العادة المسكنات العادية مثل الباراسيتامول، كما يساعد أيضًا على تهدئة الألم وضع كمادات باردة على الجلد المصاب، وقد يضطر الطبيب لاستخدام أدوية أقوى على الألم مثل الستيرويدات الفموية، ولعلاج الآلام الصعبة التي تحدث بعد الزنار الناري ينصح باستخدام مضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للصرع مثل كاربامازيبين أو فالبروات الصوديوم، وحتى يمكن استخدام المخدرات الموضعية حقنًا بيد طبيب التخدير.
ويجب المحافظة على نظافة المنطقة المتأثرة لتجنب الالتهابات الجرثومية عليها، ويمكن استخدام الكريمات الملطفة والمرطبة على هذه البثور بشرط عدم احتوائها على المواد المهيجة.
ما سبل الوقاية من العدوى؟
ينتقل الفيروس من المصاب بزنار النار إلى الأشخاص الذين لم يصابوا سابقًا بجدري الماء، ويؤدي لإحداث جدري الماء لديهم وليس زنار النار، لذلك يجب الابتعاد وعدم ملامسة جلد الشخص المصاب خاصة في فترة وجود الحويصلات، كذلك يجب عدم ملامسة الأدوات الشخصية للمصاب إلا بعد الغسيل في ماء مغلي.
ويمكن الوقاية من الإصابة بجدري الماء عن طريق إعطاء لقاح جدري الماء للأطفال، كذلك يفيد إعطاء لقاح الفيروس النطاق الحماقي للأشخاص فوق الخمسين من العمر، وهذا لا يمنع الإصابة بزنار النار ولكن يقلل خطر الإصابة بشكل كبير، ويشيد الكثيرون بهذا اللقاح لفعاليته وأمانه وقلة أعراضه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :