بعيداً عن الهتافات الدعائية من كل حدب وصوب، كان إسقاط طائرة “أف 16″ الاسرائيلية مفاجأة ليس فقط لإسرائيل، ولكن أيضاً للولايات المتحدة وحلفائها، سيما مع ظهور مؤشرات إلى أن مصدر التطور المُرجّح في القدرات الدفاعية السورية لم يكن روسيا، بل كوريا الشمالية.
ففي ظل غلبة الحديث عن الصواريخ الباليستية والمضادة للدروع والأنفاق خلال السنوات الماضية، لم تتسرب كلمة واحدة عن الأسلحة المضادة للطائرات، ربما لأن اسرائيل حصلت على ضمانات روسية بعدم إيصال هذه القدرات إلى النظام السوري و”حزب الله”. كما لم تتعرض الطائرات الاسرائيلية لمثل هذا التهديد رغم تنفيذها منذ عام 2011 عشرات الغارات ضد مواقع النظام وحلفائه وشحنات أسلحة على الأراضي السورية.
يطرح هذا التصعيد سؤالين أساسيين على ارتباط بالتطورات المُحتملة في لبنان أيضاً: هل نتجه إلى حرب وشيكة؟ وهل لدى النظام وحلفاؤه قدرات تُهدد سلاح الجو الاسرائيلي؟
من الناحية التقنية، يُؤجّل هذا التطور الحرب شهوراً على الأقل، حتى اجراء تعديلات في التكتيكات العسكرية بعد اكتمال تحقيق الجيش الاسرائيلي الذي يأخذ اتجاهين وفقاً للإعلام العبري.
أولاً، ما هي نوعية الصاروخ وكيف تمكن من إسقاط مقاتلة اسرائيلية من طراز “أف 16″؟ وهذه الطائرة تحوي تعديلات متطورة على الطراز الأميركي الأصلي، وتُمثل عماد سلاح الجو حالياً (مئة مقاتلة). ولأن هذه المقاتلة باتت عُرضة لمنظومات الصواريخ المضادة للطائرات، ترغب اسرائيل في زيادة عديد طائرات “أف-35 الشبح” القادرة على خداع رادارات الدفاعات الأرضية، إلى 75 مقاتلة خلال السنوات المقبلة، من أصل 50 وقعت عقوداً بشأن استحواذها. ورغم أن اسرائيل تملك حالياً تسع مقاتلات من هذا الطراز، بانتظار تسلّمها البقية من شركة “لوكهيد مارتن” المُصنّعة، يُرجح أن هذه المقاتلات لن تدخل الخدمة بشكل كامل سوى عام 2021. 3 سنوات تفصل بين القدرات الاسرائيلية اليوم، وبين هذا التبدل النوعي.
ثانياً، يُحاول التحقيق الاسرائيلي معرفة كيفية إصابة قبطان الطائرة ومساعده وما إذا قررا النجاة بعد معرفتهما بالاصابة الوشيكة أو خلال وقوعها. الأخير أُصيب بجروح طفيفة ويخضع للتحقيق لمعرفة حيثيات الاصابة، لكن الأول حالته خطرة. وينتظر المحققون تحسن حالته للتحقيق معه.
يبقى الجانب الأساسي هو نوعية الصاروخ، وكيفية استخدامه لتحقيق هذه الإصابة غير المسبوقة. وفقاً لمصادر متقاطعة، فإن وجود ضمانات روسية لإسرائيل بعدم تزويد النظام السوري وحلفائه بصواريخ مضادة للطائرات من طراز (أس 300 و400)، يعني أن هناك مصدراً واحداً لها: كوريا الشمالية. والمرجح هنا أن هناك 3 احتمالات. الأول أن تعديلات كورية شمالية أُجريت على رادارات صواريخ “سام-200″، ويملك منها الجيش السوري 48، لتطوير قدراتها على تحديد مسار الأهداف السريعة واصابتها. الاحتمال الثاني هو أن النظام حصل على منظومة صواريخ “كاي أن 06” الكورية الشمالية، القريبة تقنياً من “أس 300” الروسية، وبدأت كوريا الشمالية بتصنيعها على مستوى واسع ربيع العام الماضي (نشر معهد أبحاث أميركي أن لديها 148 بطارية الى الآن).
وجود هذه الصواريخ في حوزة الجيش السوري، لو كان صحيحاً، يطرح سؤالاً آخر عن الكمية، سيما أن اسقاط الطائرة تطلب 25 صاروخاً. في حال صحة فرضية التعديل على الرادار، فإن النظام يملك آلافاً من هذه الصواريخ، وبإمكانه بالتالي تمثيل تهديد حقيقي. لكن إذا كانت المنظومة الكورية الشمالية بحوزته، فإن التهديد محدود. والاحتمال الأخير هو أن الإسقاط كان ضربة حظ لها علاقة بسلوك الطيار نفسه، لا تطور قدرات النظام. جاء الاسقاط نتيجة تقاطع فائق للعادة بين كيفية استهداف الطائرة، وبين سلوك قبطانها.
والحال أن الإمتلاك أو عدمه لا يحدان كثيراً من خطر الحرب الشاملة في المنطقة. والواضح اليوم، بحسب مصادر ديبلوماسية غربية، أن مخاطر استراتيجية “الردع الديناميكي” الاسرائيلية في سوريا، باتت صريحة، إذ “دخلنا أخطر مراحل الصدام بين الطرفين منذ عام 2011، وربما حتى 2006. فماذا لو سقط الطيار الاسرائيلي على الجانب السوري؟ كيف كانت ستتطور المعركة حينها؟”.
والواضح أن الطرفين لا يُريدان الحرب لأسباب مختلفة. على سبيل المثال، بعد إصابة المقاتلة، نفذت الطائرات الاسرائيلية ضربات ضد مواقع سورية عديدة بينها قاعدة للحرس الجمهوري، وحلقت لساعات دون اعتراض فعلي، ما يؤشر لرغبة النظام وحلفائه بعدم التصعيد.
لكن أحداث الأيام الماضية، ما بين اسقاط الطائرتين الاسرائيلية وتلك الإيرانية-الصنع (دون طيار)، أظهرت أن المعادلة الحالية للاشتباك خطرة، وتحمل في طياتها احتمالات تدهور قد تقود الطرفين سوية أو أياً منهما إلى التصعيد مرغماً. باختصار، كان حدث الأمس حجر الأساس على طريق حرب باتت حتمية.