عماد العبّار – الحراك السّلمي السّوري
كلمة الحقّ وردّة الفعل
لم تكن كلمة الحق خفيفة على قلب أحد في يوم من الأيام، والأمر لا علاقة له بثورة أو عنف ممارس أو حتى قصص اغتصاب. لم يأتِ نبيّ بدعوة حق إلا وأصابه من أقرب الناس بلاء شديد، حتى تلك الدعوات التي ارتبطت بتصحيح نظام المعاملات بين الناس وضبط مشاكل البيع والشراء، وذاك حين قال سيّدنا شعيب لقوم مدين {وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (سورة هود -85)، كانت كلمة الحق تلك في أيّامٍ هادئة لا قتل ولا قصف حرب فيها، فإذا عرفنا ذلك أصبح بإمكاننا تفهم ردّات الفعل التي يمكن أن تظهر في أيام مضطربة كأيامنا هذه في ظل العنف الذي نشهده.
ولكن بالرغم من ذلك ومن هدوء الزمان والمكان الذي قال فيه سيّدنا شعيب نصيحته لقومه لم تكن ردة فعل الذين وُجّهت إليهم كلمة الحق عادية أو منطقية قياسًا مع معطيات تلك المرحلة، أو حتى مع لطف العبارة ودقتها وبُعدها عن أي أذى شخصي مباشر، كان ردّهم: { قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} (هود- 91). هو انغلاق العقل إذن، بل انغلاق النفس على أخطائها مع الإصرار على رفض الفهم والتفهّم، هو الاحتكام لموازين الدنيا في الضعف والقوة، هو الرغبة برجم كل مخالف أو إلغائه، هكذا كان دومًا منهج المنغلقين على أخطائهم، بينما يبقى للمصلح منهج واحد لا يتغير مهما اختلطت الأوراق وتداخلت الظروف أو انقلبت الموازين وعمّ الجنون ومهما تطرّف الطّرف المقابل {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}(هود 88)