مقتلة طائرات أم تحرش إيراني
تسود قراءاتان مختلفتان في تفسير ما حدث في سوريا خلال الأسبوع الماضي، بدءاً بإسقاط الطائرة الروسية في إدلب، مروراً بمذبحة العناصر المئة في دير الزور، وربما ليس انتهاءً بإسقاط الطائرة الإسرائيلية، يوم السبت.
وينقسم المراقبون في فريقين رئيسيين، يعتقد الأول أن التطورات الأخيرة تعبير عن احتدام الصراع بين محورين، روسي – تركي – إيراني من جهة، وأمريكي – أوروبي – إسرائيلي – عربي، من جهة أخرى. فيما يعتقد الفريق الثاني، أن الجانب النوعي مما حدث ينحصر في التحرش الإيراني بالأمريكيين والإسرائيليين، بغية إثبات الوجود، وتأكيد الحقوق المكتسبة بالدم، على الرقعة السورية، وسط مخاوف من الوصول إلى اتفاق روسي – أمريكي، يقضي بإخراجهم من تلك الرقعة، أو تحجيمهم فيها.
وأياً كانت القراءة الأدق، فإن احتمالات خلط الأوراق، وتغيير قواعد اللعبة في سوريا، بين المتصارعين الإقليميين والدوليين على رقعتها، واردٌ بشدة.
تستند القراءة الأولى أساساً إلى حادثة إسقاط الطائرة الروسية، في إدلب، قبل أيام. حادثة لم تنجح في تلغيم العلاقات الروسية – التركية. وكان ذلك التلغيم، الهدف الرئيس لهذه الحادثة. فمن زوّد الفصيل الذي استهدف الطائرة، بالصاروخ الذي تمكن من إسقاطها، كان يريد، على الأغلب، إشعال نيران الشكوك بين الشريكين الروسي والتركي. لكن القيادة التركية تمكنت من إقناع نظيرتها في موسكو، بخلاف ذلك. وقامت تركيا بإجراءات حسن نيّة تجاه الروس، أبرزها تسليم جثة الطيار الروسي القتيل، ومن ثم لاحقاً، السماح بدخول لجنة عسكرية روسية، برعاية تركية، إلى مكان سقوط الطائرة، لمعاينة حطام الطائرة، والصاروخ الذي استهدفها، بغية التعرف على مصدره، والجهة التي أرسلته.
باختصار، يبدو أن إسقاط الطائرة الروسية، الذي يُظن أن الأمريكيين وقفوا وراءه، جاء بنتائج عكسية، خلافاً لرغبات الأمريكيين. فالشراكة الروسية – التركية – الإيرانية، تعززت. واتفق الشركاء الثلاثة على لقاءٍ قريبٍ، وعلى لجم خلافاتهم، خاصة على المحور الإيراني – التركي، تحديداً، على تخوم إدلب. وكان من نتائج ذلك، توسيع نقاط المراقبة التركية، لتصل قرب سراقب، التي كانت مهددة قبل أيام بالسقوط، جراء القصف، وتقدم الميليشيات الموالية للنظام، والمدعومة إيرانياً. أيضاً، عادت الطائرات التركية لتحلق فوق أجواء عفرين، وتستهدفها، بعد توقف دام بضعة أيام، على خلفية إسقاط الطائرة الروسية.
حسب هذه القراءة، قرر المحور الروسي – الإيراني – التركي، الرد في دير الزور. واستهدف منشأة لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، المدعومة أمريكياً. منشأة كانت تضم مستشارين عسكريين أمريكيين، حسبما كُشف لاحقاً. لكن الرد الأمريكي كان سريعاً وصارماً، حيث أبادت الطائرات الأمريكية، ما يقارب 100 عنصر من الميليشيات المدعومة إيرانياً.
فانتقل رد المحور الثلاثي إلى الجنوب. وأسقطت المنظومة الدفاعية السورية، المُدعّمة روسياً، والمُدارة إيرانياً، لأول مرة، طائرة إسرائيلية. بعد أن كانت إيران، في ما يبدو، قد أرسلت طائرة بلا طيار إلى أجواء الجولان المحتل، في خطوة مشابهة للهجوم الغريب الذي طال قاعدة حميميم الروسية، قبل أسابيع. وتمكنت إسرائيل من إفشال عملية الاختراق لأجوائها، لكنها في الوقت نفسه، تلقت صفعة قاسية، وغير معتادة، إذ لم تكن منظومة الدفاع السورية ملجومة عن طائراتها، كالعادة.
هذه القراءة، إن صحت، تفتح الباب على مصراعيه نحو حرب شرسة، قد تنتقل من حالة “الوكالة”، إلى الحالة “المباشرة”. وفي هذا الصراع، لن يكون السوريون، كأدوات ومستهدفين، وحدهم الضحايا. بل ستكون الأطراف الرئيسية مستهدفة في مصالحها الحيوية، وربما في أمن حدودها المباشر، في حالة إسرائيل.
القراءة السابقة، تقابلها قراءة أخرى، تقلل من خطورة ما حدث، وتحصر النوعي منه بالجانب الإيراني، فقط. وبعيداً عن حادثة إسقاط الطائرة الروسية، التي لا يظهر لها تفسير، في هذه القراءة، يبدو الإيرانيون وحدهم، أصحاب المصلحة، والمسؤولين عن الهجمات في دير الزور، وعلى الإسرائيليين، جنوب البلاد.
وحسب هذه القراءة، يبدو أن الروس عاجزون عن لجم الإيرانيين، وغير راضين عن تحرشهم الجريء بالأمريكيين في دير الزور، وبالإسرائيليين في جنوب البلاد. فيما يوحي الإيرانيون للجميع، بأنهم مستعدون للذهاب إلى مواجهة شاملة، إن حصل اتفاق دولي على طردهم من سوريا، أو تحجيم هيمنتهم الواسعة عليها.
إن صحت هذه القراءة، فهي تفتح الباب أمام احتمالين رئيسيين في سوريا. الأول، أن تخشى إسرائيل، تحديداً، من الفوضى وإشعال جبهتها الشمالية، مع الإيرانيين، في الجولان، وكذلك في جنوب لبنان، فتفضل الوصول إلى تفاهمات مع طهران، بالوكالة، عبر الروس. مما يعني إقراراً بالهيمنة الإيرانية الواسعة على سوريا، في أي اتفاق تسوية مستقبلي بين المتصارعين على ترابها.
أما الاحتمال الثاني، أن ترد إسرائيل على تغيير قواعد اللعبة من الجانب الإيراني، وفق سيناريوهين، الأول، أن تضغط على الأمريكيين للعودة باتجاه تفعيل دعمهم للمعارضة السورية المسلحة، وإعادة إحياء سيناريو استنزاف الإيرانيين والنظام في سوريا. وهو السيناريو الأرجح، لأنه يقلل من احتمالات تهديد أمن الشمال في فلسطين المحتلة. فيما السيناريو الثاني يذهب باتجاه أن تُفاقم إسرائيل من استهدافها للمنشآت الإيرانية وتلك التابعة للنظام في سوريا، في مواجهةٍ تهدد بحرب شاملة.
رد الفعل الإسرائيلي الأولي على إسقاط طائرتهم، يوحي بأن الإسرائيليين لن يذهبوا باتجاه مواجهة شاملة مع الإيرانيين، وأنهم إن أرادوا الرد، فسيراهنون على الرد بأسلوب استنزاف نظام الأسد وحلفائه، بتفعيل دعم المعارضة. أو أن يقبلوا، بمرارة، بالهيمنة الإيرانية على سوريا، كما خضعوا على مضض لتلك الهيمنة في الحالة اللبنانية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :