عنب بلدي – حلا إبراهيم
في صالة بيتها الدمشقي التي شهدت آخر لقاء بينها وبين خطيبها منذ سنوات جلست داليا أمام جهاز الكمبيوتر، إذ لم يبق لها سوى وسائل التواصل الاجتماعي، لجمع شملها بخطيبها مهند.
غادر مهند مدينة دمشق عام 2013، بعد أن تخرج من كلية الهندسة الكهربائية، باتجاه تركيا كغيره من الشباب، هربًا من سوقه إلى الخدمة العسكرية حيث الموت أقرب إليه من أنفاسه.
تروي داليا كيف أحبت مهند عندما كانا زميلين في الجامعة، واتفقا على الارتباط في السنة الدراسية الثالثة، ولم يكن لدى أهلهما مانع من زواجهما بعد التخرج مباشرة.
كابوس الاعتقالات العشوائية
كان ذلك نهاية العام 2011، وجه المدينة تغير وبدأ الناس يشعرون بالخوف على أبنائهم، وخاصة الشباب، بعد أن أصبح عناصر الأمن يداهمون المنازل لحملات الاعتقال بتهم أبرزها “تنظيم المظاهرات”.
وعلى الرغم من أن مهند لم يشارك في أي مظاهرة، إلا أنه تعرض للاعتقال لمدة شهر، بعد انتهاء إحدى المظاهرات في حي كفرسوسة.
تقول داليا، “كل ذلك جعل والدي مهند ينتظران تخرجه بفارغ الصبر لكي يرسلوه خارج سوريا، خاصة بعد أن بدأ الناس يرسلون أبناءهم إلى أوروبا… وهكذا كان”.
سافر مهند إلى تركيا على أن تلحق به داليا فور تخرجها، ليغادرا معًا إلى أوروبا، ولكن القدر كان أسرع منهما، فقد فرضت تأشيرة دخول على السوريين الذين يرغبون بدخول تركيا، منذ مطلع 2016، ما زاد مشكلتهما تعقيدًا.
الزواج خارج المحكمة لا يسمح بلم الشمل
ظهرت مشكلة جديدة تحدثت عنها داليا، “لم نستطع تسجيل زواجنا في المحكمة قبل سفر مهند لأنه لم يؤد الخدمة العسكرية بعد، فاكتفينا بـ (كتاب شيخ)، فقط لكي يطمئن أهلي أنه ليس هناك مخالفة للشرع”.
ومنذ عام 2016 توجه مهند إلى أوروبا ويحاول تثبيت زواجه من خطيبته داليا ليتقدم لها بأوراق “لم الشمل”، دون جدوى، لاحتياجه لتنظيم وكالة لوالده ليقوم بتثبيت الزواج بدلًا عنه، وهذا الأمر مستحيل في غياب التمثيل الدبلوماسي السوري، في هولندا.
تسهيلات للوكالة الشفهية
أخيرًا، صدرت تسهيلات من وزارة العدل في إجراء معاملات الزواج، في حال وجود الخاطب خارج سوريا، ويشرح المحامي أحمد من دمشق، الذي تحفظ على ذكر اسمه كاملًا، كيف أسهمت هذه التسهيلات في الحد من تزوير الوكالات.
فقد أعلن القاضي الشرعي الأول، محمود المعراوي، في 24 كانون الثاني الماضي، عن قبول الوكالات الشفهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في دعاوى تثبيت الزواج، في حال وجود الزوج خارج سوريا، ويتعذر عليه تنظيم وكالة خاصة بذلك.
يقول المحامي أحمد، “في السابق كان الناس يلجؤون إلى تنظيم وكالات مزورة، لأبنائهم، فيرسل الموكل عبر (واتساب) صورة بطاقته الشخصية، وصورة بصمة إبهامه الأيسر، ليتم تزويرها في وكالة أصولية لدى نقابة المحامين، وكان بعض المحامين يوافقون على تنظيمها بعد التأكد من موافقة الموكل، عبر (واتساب)، بهدف تيسير معاملات الناس”.
ويرى المحامي أن الإجراء الجديد سيساعد عائلات كثيرة على لم شملها، ويحد من تزوير الوكالات، إذ لم يعد هناك داع لها.
تقول سمر، وهي لاجئة في السويد أقامت في دمشق بعد نزوحها مع أهلها من الشمال السوري، “اضطر زوجي للتعامل مع مزورين داخل سوريا، لكي يؤمن لم الشمل لي ولولدنا (مالك)، بعد أن سافر دون وجود أوراق رسمية تثبت زواجنا أو ولادة طفلنا، الذي كان لم يولد بعد عند سفر والده”.
سمر تعيش الآن مع زوجها وابنها في السويد بعد أن كلفهم هذا مبلغًا تجاوز ألفي دولار، فقط لتزوير وكالة الوالد.
هل يتوقف التزوير؟
شرح القاضي المعراوي كيفية تثبيت الزواج بالوكالة الشفهية، في تسجيل نشرته صحيفة “الوطن” المحلية، فبعد أن يوكل الزوج والده أو أي شخص آخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويكون ذلك بحضور شاهدين اثنين، تقوم الفتاة برفع دعوى تثبيت زواج في المحكمة الشرعية، وترسل تبليغًا إلى والد الزوج (بصفته وكيل الزوج)، الذي يحضر الجلسة، ومعه الشاهدان اللذان حضرا مجلس التوكيل، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويقران بصحة التوكيل، ويقر وكيل الزوج للزوجة بتثبيت الزواج.
أما في حال عدم تأدية الخاطب للخدمة الإلزامية، وعدم حصوله على رخصة زواج، فيتم تثبيت الزواج في المحكمة مع إرجاء تسجيله في السجل المدني، إلى حين حصول حمل أو ولادة.
وغادر سوريا منذ انطلاق الثورة عام 2011 أكثر من خمسة ملايين نسمة، معظمهم في تركيا، حيث يبلغ عدد السوريين في تركيا حوالي ثلاثة ملايين، والبقية موزعون على بقية الدول الأوروبية والعربية.
وكان القاضي المعراوي صرح في أيار 2016، عن وجود 50% من عقود الزواج تتم عبر “سكايب”، بسبب وجود الزوج خارج سوريا، وأنها كانت تبقى عرفية دون تثبيت، وهذا برأيه جائز شرعًا، لكنه غير معترف به في المحكمة.
وكان وجود الزواج العرفي، دون تثبيت في المحكمة، يهدد المجتمع بضياع الأنساب، ووجود أطفال بلا نسب من آبائهم، ولا سيما في حال عدم وجود سفارات أو قنصليات، أو بسبب التكاليف العالية التي تفوق قدرة الناس المالية.
“كتاب الشيخ” ممنوع
بالتزامن مع حل هذه المشكلة أصدرت وزارة العدل في حكومة النظام، في 24 كانون الثاني، قرارًا بمنع رجال الدين من تنظيم عقود زواج خارج المحكمة، وفي حديث مع الحقوقية رشا عبد الله قالت لعنب بلدي إن هذا الإجراء “يضمن حقوق المرأة، بالدرجة الأولى، كما يحفظ نسب الأطفال”.
وأوضحت أن هذا المنع موجود أصلًا في قانون الأحوال الشخصية السوري، إلا أن رجال الدين، وبسبب العادات والتقاليد، لم يمتنعوا عن تنظيم العقود العرفية، أو ما يعرف بـ “كتاب الشيخ”.
لذلك ترى الحقوقية أن وجود عقوبات رادعة هو أمر ضروري للحد من هذه الظاهرة.