دعاية لاستقطاب المستثمرين.. هل يعودون؟
مستقبل ضبابي للاستثمارات الخليجية في سوريا
عنب بلدي – مراد عبد الجليل
أثار إعلان الشركة “الكويتية- السورية القابضة”، وهي صاحبة مشاريع ضخمة توقفت بسبب الحرب في سوريا، شراء قطعة أرض في ريف دمشق بمشاركة بعض المستثمرين السوريين، بقيمة 12.2 مليون دولار، تساؤلات حول مصير الاستثمارات الخليجية.
سوريا نجحت باستقطاب الاستثمارات الخليجية في قطاعات مختلفة خلال عقود سبقت الثورة السورية، بفضل عدة عوامل، أهمها توفر المناخ الاستثماري، من الاستقرار الأمني، إلى العلاقات السياسية بين دمشق والدول الخليجية، التي يمكن وصفها بالمستقرة في أغلب الأحيان.
كما أن الميزات والقوانين الاستثمارية التي أصدرتها الحكومة السورية لعبت دورًا في جذب رؤوس الأموال الخليجية، إذ صدر القانون رقم 8 عام 2007، الذي أنهى العمل بقانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991، وسمح للمستثمر بتملك واستئجار الأراضي والعقارات اللازمة لإقامة المشاريع الاستثمارية أو توسيعها، كما شكل مجالس مشتركة لرجال الأعمال مع الدول الخليجية، ووقع عدة اتفاقيات مع بعض الدول، الأمر الذي أدى إلى استقطاب الأموال الخليجية بشكل كبير.
صعوبة تحديد قيمة الاستثمارات
بالرغم من عدم إمكانية تحديد حجم وقيمة الاستثمارات الخليجية، إلا أنها كانت تصل إلى ملايين الدولارات، فقد نقلت صحيفة “الوطن” السعودية عن رئيس الجانب السوري في مجلس الأعمال السعودي- السوري، عمر شورى، في حزيران 2006، أن حجم الاستثمارات السعودية في سوريا يقدر بنحو 2.5 مليار دولار، كما توقعت صحيفة “الشرق الأوسط” في كانون الثاني 2008 أن يصل حجم الاستثمارات القطرية إلى عشرة مليارات دولار، في حين بلغ حجم الاستثمارات الإماراتية 20 مليار دولار بحسب ما نقل التلفزيون السوري عن وزير تطوير القطاع الحكومي في الإمارات، سلطان بن سعيد المنصوري، في كانون الثاني 2008.
ويعود عدم إمكانية تحديد قيمة الاستثمارات، بحسب الباحث الاقتصادي، يونس الكريم، إلى وجود استثمارات مخفية وغير قابلة للتداول كونها مزيجًا بين الأسر الحاكمة في الدول الخليجية والعائلة الحاكمة في سوريا، لكنه اعتقد في حديثه إلى عنب بلدي أن حجم الاستثمارات كان يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنها لم تكن تضيف أي قيمة إلى الاقتصاد السوري نتيجة التهرب الضريبي.
تأثر الاستثمارات مباشرة بالثورة
عقب اندلاع الثورة السورية، توقفت المشاريع الخليجية لعدة أسباب، أهمها الموقف السياسي الذي قادته كل من قطر والسعودية، وتمثل خلال المراحل الأولى بالحياد والصمت والمطالبة بالتوقف عن العنف وإجراء إصلاحات، قبل أن يتطور إلى طرد مجلس التعاون الخليجي سفراء النظام السوري وسحب سفرائه من دمشق في 7 شباط 2012.
وعلى الجانب الاقتصادي بدأت تأثيرات الثورة على الاستثمارات المالية الخليجية بعد أشهر، إذ قرر مجلس إدارة البنك السعودي- الفرنسي، في تشرين الثاني 2011، بيع حصته في بنك “بيمو سوريا”، الذي يعد أكبر بنك خاص في سوريا، والبالغة 27%، بسبب المخاطر المالية الحالية والتي لا تسمح باستمرارية البنك كشريك، بحسب ما جاء في بيان للبنك على موقع سوق الأسهم السعودية “تداول”.
وعقب ذلك دخلت الاستثمارات في نفق مجهول ومستقبل ضبابي، خاصة في ظل تراجع قيمة الليرة السورية أمام الدولار، والتي كانت 47 ليرة للدولار الواحد في 2011، قبل أن تتراجع تدريجيًا لتصل إلى 470 حاليًا، ما يعني تراجع عائدات الاستثمارات أيضًا.
رغم الحرب.. الأسد حافظ على الاستثمارات؟
ومع تطورات الأحداث واتهام النظام لكل من السعودية وقطر بدعم من يطلق عليهم “المجموعات الإرهابية”، تعالت أصوات من قبل مؤيدين له بضرورة مصادرة استثمارات الدول الخليجية، إلا أن النظام حافظ على أموالهم ولم يقترب منها، بحسب الكريم، الذي أكد أن النظام هدف بذلك إلى عدم قطع علاقاته مع دول الخليج، لأنه يعلم حاجته إليهم في وقت من الأوقات لدعم اقتصاده ومشاريعه، وأن العداء الكلي أو المطلق سيؤدي إلى ضرر كبير، خاصة في ظل وجود استثمارات مشتركة بينهما في دول أخرى كقبرص وإيطاليا.
وأشار الكريم إلى أن التجار الذين يعتبرون البنية التحتية للنظام وأعمدته هم شركاء الخليجيين، ويستثمرون أموالهم داخل سوريا، وقطع العلاقات سيؤدي إلى سحب هذه الأموال، وبالتالي سيكون التجار أمام خيارين إما الانقلاب على النظام أو على الأقل إفلاسه، وكلتا الحالتين في غير مصلحة النظام لذلك حافظ على أموال الخليجيين للاستفادة منهم في المستقبل.
كما عملت حكومة النظام على دعم استثمارات خليجية على أساس ديني في سوريا، بحسب الكريم، مثل رجال الأعمال الشيعة في الكويت والإمارات، إضافة إلى أن إيران دفعت مستثمرين في الخليج إلى الاستثمار في سوريا لدعم الليرة السورية وبالتالي صمود النظام اقتصاديًا.
عودة بغطاء مصري
شراء “الشركة الكويتية- السورية” القابضة الأرض وإعلانها إقامة مشروع سكني ضخم على كامل مساحتها التي تصل إلى 180 ألف متر مربع، اعتبره البعض بداية لعودة الشركات الخليجية إلى الساحة الاقتصادية السورية بهدف الإسهام في إعادة الإعمار، لكن الكريم اعتبر أن شراء الأرض ليس جديدًا ولكن إعلان ذلك في الوقت الراهن هو توجيه رسالة إلى الدول الخليجية لإعادة استثماراتهم.
في حين اعتقد الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، محمد العبد الله، في حديث إلى عنب بلدي، أن “ما يتداول حاليًا من عودة الاستثمارات هو من باب الدعاية التي يقوم بها حلفاء النظام، لتوجيه المستثمرين وترغيبهم بتوجيه استثماراتهم نحو مناطقهم، لتأسيس تصور لدى الجمهور خارج سوريا أن الأزمة السورية باتت في نهايتها، وعلى المستثمرين ألا يضيعوا الفرصة في اقتناص الفرص الاستثمارية، بالتعاون مع رجال الأعمال المحسوبين على النظام”.
وينطبق هذا الأمر على رجال الأعمال والبنوك اللبنانية التي راج مؤخرًا عزمها الاستثمار في سوريا، بحسب العبد الله، الذي تساءل عن حجم الأموال التي يمكن أن يدخل بها هؤلاء المستثمرون إلى سوريا، معتبرًا أنها استثمارات محدودة جدًا في قطاعات اقتصادية محددة، نسبة المخاطرة فيها منخفضة بسبب عدم الاستقرار الاقتصادي والأمني الذي تعيشه سوريا، خاصة وأن الاستثمارات الخليجية سابقًا كان النظام يسيطر على كثير منها، ما يعني بقاءها مدعاة للخوف والقلق من قبل رجال الأعمال والمستثمرين الخليجيين.
أما عن توجه رجال أعمال سعوديين وبحرينيين للاستثمار فإنه يأتي من جانب الاستثمار التجاري لهم من خلال البحث عن فرص استثمارية والحصول على موطئ قدم في مشاريع إعادة الإعمار السورية، بحسب العبد الله، لكن ذلك يتم عبر واجهة مصرية ممثلة بشركائهم المصريين، خاصة وأن الموقف الخليجي الرسمي لم يصدر عنه أي تصريحات بخصوص المباشرة في الاستثمار في سوريا، وينتظر الوصول إلى حل سياسي متوافق عليه من جميع الأطراف.
ونقلت صحيفة “المصري اليوم”، في 7 شباط، عن رئيس اتحاد الغرف التجارية المصرية، أحمد الوكيل، قوله إن هناك اتفاقًا مع السعودية لفتح آفاق جدية للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، وضخ استثمارات جديدة داخل أسواق ليبيا والعراق وسوريا، عبر إطلاق مبادرة اشتراك بين الاتحاد العام المصري للغرف التجارية، وغرفة التجارة السعودية، ومجلس الأعمال المصري- السعودي لتنفيذ عدد من المشروعات الاستثمارية المشتركة.
وكان الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، أبلغ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال زيارته في تشرين الأول الماضي، أن الرياض لا يمكن أن تدفع بمليارات الدولارات لتصب في خدمة إيران الداعمة للنظام، وأن أي حديث عن إعادة الإعمار يجب أن يكون بعد حل سياسي يكون فيه القرار بيد السوريين دون تدخل خارجي لفائدة أي جهة كانت.
وحول مستقبل الاستثمارات في ظل الحل السياسي، أشار الكريم إلى أنه في حال بقاء رئيس النظام، بشار الأسد، في السلطة فإن الخليجيين سيدفعون ضرائب أكثر كثمن لمواقفهم، بالرغم من أن بقاء الأسد يعني بقاء الروس الذين سيكونون الممر لكل من يريد الاستثمار في سوريا، أما في حال رحيل الأسد فيتوقف الأمر على كيفية وشكل رحيله والطرف المسؤول عن ذلك.
أبرز الاستثمارات الخليجية في سوريا
الاستثمارات الخليجية كانت قبل الثورة ضخمة وكثيرة ومن أبرزها:
مشروع “البوابة الثامنة”
وهو من إشراف شركة “إعمار” الإماراتية وتبلغ القيمة التطويرية للمشروع 500 مليون دولار.
خمس شامات
يعتبر المشروع السياحي الأكبر والأول في سوريا وكان من المقرر إقامته في منطقة يعفور، لشركة ماجد الفطيم العقارية الإماراتية، بتكلفة مليار دولار.
مدينة بنيان
وهي عبارة عن مدينة سياحية وعقارية في منطقة جبل الشيخ قرب مدينة قطنا بريف دمشق لشركة بنيان الدولية الإماراتية، وتم الاتفاق عليه في 2006، بخطة تنفيذ تصل إلى 12 عامًا بتكلفة تبلغ 15 مليار دولار.
مشروع كيوان السياحي
وهو عبارة عن مجمع سياحي فندقي دولي متكامل يمتد على مساحة 60 دونمًا تقريبًا، لشركة الخرافي الكويتية، وكان من المقرر تنفيذ المشروع خلال ثلاث سنوات بدءًا من 2009 بتكلفة تقديرية 217 مليون دولار واستثماره لمدة 45 سنة.
فندق “فور سيزونز”
يُعد أهم الفنادق الراقية في العاصمة دمشق، وتم افتتاحه في عام 2006 باستثمارات قدرها 100 مليون دولار، ويملك رجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال 55% منه.
منتجع خليج ابن هاني
وهو مشروع منتجع سياحي بتكلفة تبلغ 250 مليون دولار، لشركة الديار القطرية.
إضافة إلى عشرات الاستثمارات في مختلف المناطق، إلى جانب الاستثمارات في القطاع المالي الذي تتصدره قطر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :