رغم العقبات..
منظمات تتوجه نحو دعم الأطفال في سوريا “نفسيًا”
عنب بلدي – خاص
أكثر من 35% من أطفال سوريا لم يعرفوا سوى الحرب منذ ولادتهم، أكبرهم عمره سبع سنوات وأصغرهم مازال يولد حتى اليوم، عايشوا القصف والدمار والجوع والحصار، وربما فقدوا أحد والديهم أو كليهما، وشاهدوا جثثًا لأشخاص كان أصحابها جزءًا من حياتهم يومًا ما.
كل ذلك كان كفيلًا باستشعار أزمات نفسية بدت ملامحها على بعض الأطفال السوريين، كان لا بد من احتوائها قبل أن تتحول إلى كارثة إنسانية في مجتمع لا يعترف بالحاجة الملحة إلى نشر ثقافة الصحة النفسية، خاصة بالنسبة للأطفال.
مراكز لدعم الأطفال نفسيًا بدأت تضع بصمتها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، والتي تشهد استقرارًا نسبيًا في الحياة المدنية فيها، خاصة في درعا والحسكة وبعض مناطق إدلب.
عنب بلدي رصدت عينة من المراكز المختصة بالدعم النفسي للأطفال في الداخل السوري، للتعرف على ماهية عملها والصعوبات التي تواجهها والتأثير الذي أحدثته منذ بدء نشاطها في مجال الدعم النفسي.
“طفولتي” في القامشلي.. نحو إعداد “جيل سليم”
تنشط منظمة “طفولتي” المختصة بالدعم النفسي للأطفال في مدينة القامشلي شمالي سوريا، منذ عام 2014، وحملت على عاتقها مسؤولية التخفيف من كم الضغط وتبعات الحرب، التي أثرت على نفسية الأطفال السوريين في المنطقة، منذ سبع سنوات، ووضعت ضمن أهدافها حماية الأطفال وتهيئة جيل “سليم” مهمته بناء المجتمعات المدنية “السليمة” في البلد.
يارا، مديرة مركز “طفولتي”، ترى أن الأطفال هم الفئة الأكثر ضعفًا في المجتمع، والتي كان عليها أن تدفع ثمن الحرب الدائرة بين الكبار، مشيرةً في حديثها إلى عنب بلدي أن الأطفال السوريين كانوا الأكثر تضررًا نفسيًا وجسديًا، بعد فقدانهم الأمان والاستقرار وفقدانهم لأحد أقاربهم أو ذويهم.
عن الصعوبات التي تواجه المنظمات المختصة بالدعم النفسي للأطفال، قالت مديرة مركز “طفولتي” إنها بالدرجة الأولى صعوبات مادية لها علاقة بالمانحين، بالإضافة إلى مشكلات معنوية تتعلق بقلة الكفاءات وقلة المختصين في مجال الصحة النفسية.
وأشارت يارا إلى أن غياب اهتمام المجتمع السوري بالدعم النفسي للأطفال، وحتى البالغين، يشكل عقبة أمام عمل تلك المنظمات، إذ مايزال الدعم النفسي يصنف في المجتمع السوري ضمن حلقة “الترفيه”، وينظر إليه على أنه مجرد ألعاب وأنشطة ترفيهية تقدمها المنظمات للطفل دون التعمق في أهميتها، على حد قولها.
وأضافت أن استجابة الأطفال لفكرة الدعم النفسي كانت جيدة، إلا أن استجابة ذويهم “لم تكن بالشكل المطلوب حتى الآن”.
وعن التأثير الذي أحدثه “مركز طفولتي” منذ بداية عمله، قالت يارا “من خلال عملنا البسيط كمركز صديق للطفولة استطعنا إحداث فروق جميلة لدى الأطفال، نحن سعداء بنتائج عملنا حتى الآن ونتمنى أن نتمكن من تقديم خدمات أكثر لأطفالنا”.
“طفولتي” ليس المركز الوحيد المختص بالدعم النفسي للأطفال في القامشلي، إذ تنشط إلى جانبه منظمات محلية، ومنها “سمارت” و”الإحسان”، فضلًا عن حملات دعم نفسي تنظمها منظمة “أنقذوا الطفولة” الدولية.
“قبس” في إدلب.. “الدعم النفسي لا يقل أهمية عن التعليم”
في مدينة إدلب نشطت أيضًا منظمات مختصة في مجال الدعم النفسي للأطفال، ومنها منظمة “قبس” التي رأت ضمن أهدافها أن نشر ثقافة الصحة النفسية في المجتمع السوري لا يقل أهمية عن فكرة التعليم بحد ذاتها.
منسق مكتب إدلب لمنظمة “قبس”، أحمد الخطيب، قال لعنب بلدي إن المنظمة تسعى إلى إعادة الحياة الطبيعية للطفل إلى ما كانت عليه قبل الحرب، عبر توفير جو من الأمن والأمان بعيدًا عن الخوف الذي أصبح رفيقًا للأطفال السوريين منذ سنوات.
وتخصص المنظمة من ضمن عملها تعيين مرشدين نفسيين في مدارس إدلب، مهمتهم تقديم الدعم والمشورة للطفل، ومساعدته على النهوض بنفسه وصقل مواهبه وتنميتها، حسبما قال الخطيب.
ولم تختلف الصعوبات التي تواجهها “قبس” في إدلب، عن تلك التي تواجهها “طفولتي” في القامشلي، إذ كان ضعف الموارد وقلة الخبرات وقلة المختصين النفسيين، عاملًا مشتركًا بينهما، ما يجعل من الضروري التنبه إلى الحاجة لإعداد مختصين في مجال الدعم والإرشاد النفسي، بدعم من المنظمات الدولية.
وتطرق الخطيب إلى مشكلة مشتركة أخرى، هي ضعف استجابة الأهل لفكرة حاجة أطفالهم للدعم النفسي، مشيرًا إلى أن تلك الاستجابة نسبية وتتبع لمستوى ثقافة الأهل وطبيعة كل منطقة.
ولمست منظمة “قبس” خلال عملها في إدلب أثرًا إيجابيًا، من خلال تعزيز السلوك والثقة بالنفس عند الكثير من الأطفال، بحيث أصبحوا قادرين على معرفة حقوقهم والمطالبة بها، وتعلموا مهارات التواصل والحوار، حسبما قال أحمد الخطيب، مضيفًا أن الأثر الأبرز هو وعي الأطفال بضرورة الالتحاق بالمدارس واستكمال تحصيلهم الدراسي وتنظيم أوقات الدراسة.
“غصن زيتون” في درعا لسد الثغرات
في درعا تحاول المنظمات المدنية والمجالس المحلية والمديريات التابعة للحكومة المؤقتة سد الثغرات التي أحدثتها سنوات الحرب في المحافظة الجنوبية، والتي تشهد استقرارًا نسبيًا في حياة المدنيين فيها.
وتعتبر “غصن زيتون” من أبرز المؤسسات التي نشأت، عام 2013، بجهود تطوعية وتهتم بالعملية التربوية والاجتماعية والنفسية لأطفال حوران.
وبحسب ما أوضح محمد فارس أبو مجد، نائب مدير التعليم في المنظمة، فإن عملها في مجال الدعم النفسي يهدف إلى إخراج الطفل من أجواء الحرب والصراع، وتحقيق عملية الانسجام مع التعليم والنهوض بواقعه ومستقبله التعليمي.
وقال في حديث سابق لعنب بلدي إن “هناك برامج كثيرة، منها برامج (أنا أتعامل)، وبرامج (المساحات الصديقة)، وبرامج (المهارت والمرونة)، وغيرها من برامج الدعم النفسي، التي تحقق التوازن عند الطفل، وتجعله أكثر انسجامًا مع العملية التعليمية، وتأقلمًا مع الظروف التي تعيشها سوريا في ظل هذه الأحداث”.
أبو مجد قال إن الوضع الأمني في حوران والخوف على الأطفال من الاستهداف المباشر يبقى الهاجس الأكبر للقائمين على المنظمة، سواءً في “غصن زيتون” أو أي مركز ومنظمة أخرى، مضيفًا في حديثه حول الصعوبات التي يواجهها فريقه، أن الهاجس الثاني يكمن في عدم توفر جميع الوسائل والمواد التي تحتاجها برامج التعليم أو برامج الدعم النفسي.
ورغم الجهود الملموسة التي تبذلها المنظمات والمراكز المحلية في الداخل السوري، مازال عليها تخطي عقبات عدة فرضتها الظروف في سوريا، وأهمها مشكلة الدعم المادي وغياب التخصصات وقلة الوعي في المجتمع السوري نحو أهمية الدعم النفسي للأطفال، خاصة في ظل الحرب التي لم يعرف ما يقارب أربعة ملايين طفل سوري غيرها، بحسب أرقام منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :