د. أكرم خولاني
هناك الكثير من الأمراض الجلدية التي تصيب الأطفال، ولكن يعتبر جدري الماء من أكثرها شيوعًا في العالم، وخاصة لدى الأطفال تحت سن الثانية عشرة، ومع أنه مرض محدد لذاته وعادة ما يشفى دون عقابيل، إلا أنه قد يؤدي إلى بعض الاختلاطات في حالات نادرة، وقد يكون قاتلًا بشكل نادر جدًا.
ما هو مرض جدري الماء؟
جدري الماء أو الحماق Varicella/Chickenpox، هو مرض فيروسي معد بشدة، يصيب الجلد والأغشية المخاطية (الملتحمة وباطن الفم)، ويترافق بحكة شديدة، وينتج من الإصابة بعدوى من الفيروس النطاقي الحماقي (varicella zoster virus)، وفي معظم الحالات تنتج عن الإصابة بجدري الماء مناعة دائمة، فالأشخاص الذين أصيبوا بالمرض مرة واحدة لا يصابون به مرة أخرى، لكن الفيروس يبقى في أجسامهم لفترة طويلة بعد أن يتماثلوا للشفاء، وقد ينشط هذا الفيروس في وقت لاحق، ربما بعد سنوات عديدة، فيسبب حينها ما يسمى بزنار النار (الحلأ النطاقي).
في البلدان معتدلة الحرارة يحدث المرض بشكل أساسي لدى الأطفال، خاصة في فصلي الشتاء والربيع، ويكون أعلى معدل انتشار في الفئة العمرية 4-10 سنوات، لكن معظم الناس يصابون به في مرحلة ما من حياتهم، في حال لم يتلقوا اللقاح ضد جدري الماء.
كيف تحدث العدوى؟
يكون جدري الماء عادة معديًا قبل خمسة أيام من ظهور الإصابة (قبل ظهور النفاطات) ولمدة خمسة أيام بعد ظهورها، وينتشر بسهولة أكبر قبيل ظهور البثور بيومين إلى ثلاثة أيام نظرًا لأن المريض لا يدرك أنه مصاب ولا تظهر عليه أي أعراض محددة، و يستمر بنقل العدوى حتى جفاف البثور وتحولها إلى جلبات تكسوها قشور.
ويمكن أن تنتقل العدوى بعدة طرق:
- من خلال قطيرات اللعاب في الهواء، عندما يعطس شخص مصاب أو يسعل أو حتى يتكلم.
- مشاركة الطعام مع شخص مصاب بالعدوى.
- استخدام أدوات الشخص المصاب كالملابس أو المناشف أو أغطية الفراش.
- ملامسة البثور التي تظهر على جسم المصاب وخاصة السوائل التي تخرج منها.
ما أعراض وعلامات الإصابة؟
يمكن أن تتراوح شدة المرض بين ارتفاع حرارة خفيف مع عدة حطاطات جلدية إلى ارتفاع حرارة شديد (يصل حتى 40.6 درجة مئوية) مع مئات الآفات الجلدية.
تبلغ فترة الحضانة 10-21 يومًا، ثم تبدأ الأعراض بارتفاع حرارة خفيف مع تعب عام ونقص شهية، وقد يحدث أحيانًا طفح جلدي حصبوي الشكل.
في اليوم التالي يظهر طفح حاك على البطن والصدر والظهر والوجه، ثم ينتشر إلى الأطراف والرأس والأغشية المخاطية في الفم والبلعوم، يبدأ هذا الطفح بشكل حطاطات حمراء تتطور بسرعة إلى حويصلات بقطر 1-2 ملم فيها سائل صاف لا يلبث أن يتغيم ثم تتمزق وتجف تاركة جلبات، ولأن هذه الآفات تظهر على أفواج فإنه يمكن أن نلاحظ وجود عدة مراحل منها (حطاطات، حويصلات، جلبات) بنفس الوقت.
ما المضاعفات التي يمكن أن يسببها جدري الماء؟
يعد حديثو الولادة، والحوامل غير المحصنات، ومضعفو المناعة أكثر عرضة للإصابة بالمضاعفات، والتي تشمل: عدوى جرثومية في الجلد مصاحبة لظهور التقرحات والحكة، الإصابة بالالتهاب الرئوي، الإصابة بالتهاب السحايا والدماغ السليم (بعد عشرة أيام من بدء المرض)، إنتان الدم، اضطرابات عصبية مثل الصداع ونوبات الصرع والدوار والرجفة.
وبالنسبة للمرأة الحامل المصابة فإنها يمكن أن تنقل العدوى عبر المشيمة و تؤدي إلى إصابة الجنين، وتختلف التأثيرات بحسب عمر الحمل.
فإذا حدثت تلك العدوى خلال الـ 28 أسبوعًا الأولى من الحمل يمكن أن تؤدي إلى “متلازمة الحماق الخلقية” عند الجنين، ومن المشاكل المحتملة: التهاب بالدماغ، صغر في الرأس نتيجة عدم التطور الكامل للدماغ، إعتام عدسة العين، التهاب المشيمة والشبكية، وضمور العصب البصري، خلل في النسيج للأطراف العلوية، خلل في وظيفة العضلة العاصرة في المثانة والشرج، آفات الجلد ونقص التصبغ. لكن خطر الإجهاض التلقائي أعلى من خطر الإصابة بمتلازمة الحماق الخلقية.
أما إذا حدثت إصابة الأم في وقت متأخر من الحمل فهذا له ارتباط وثيق بالولادة المبكرة للجنين، وخطر تطور المرض في الجنين يكون أشد في السبعة أيام قبل الولادة ويستمر إلى غاية ثمانية أيام بعد الولادة.
كيف يتم التشخيص؟
يشخص جدري الماء بسهولة اعتمادًا على الأعراض والعلامات، ويمكن تأكيد التشخيص عن طريق فحص السائل الذي يكون داخل حويصل الطفح الجلدي (لطاخة تزانك)، أو عن طريق اختبار الدم (اختبار الضد الومضاني DFA) الذي يدل على وجود استجابة مناعية حادة.
ويمكن تشخيص عدوى حماق الجنين قبل الولادة عن طريق اختبار السائل الأمنيوسي الذي يحيط بالجنين، ولكن ينصح بتأخير التشخيص لمدة خمسة أسابيع بعد الإصابة الأولية للأم.
كيف يتم العلاج؟
غالبًا ما تأتي الإصابة بجدري الماء بشكل بسيط، ويشفى تمامًا دون اللجوء لأي إجراءات علاجية، علمًا أنه لا وجود لعلاج نهائي لجدري الماء، وإنما ينصح باتخاذ العديد من الإجراءات لتخفيف الأعراض المصاحبة له حتى تنتهي دورة المرض، وأهم هذه الإجراءات:
- عزل المصاب في المنزل منعًا للعدوى، والمحافظة على نظام غذائي سهل وغني بالفيتامينات والسوائل الدافئة، وتأمين الراحة للمصاب في سرير مستقل وفي غرفة خاصة.
- ينصح باستعمال أدوية مضادة للحساسية لتخفيف الحكة، وكذلك مسكنات الألم وخافضات الحرارة كالباراسيتامول والإيبوبروفين لتسكين الصداع وتخفيض الحرارة عند ارتفاعها.
- تطهير الطفح الجلدي بالسوائل المطهرة، وعادة ما يستخدم الكالامين Calamine، إذ يعمل هذا العلاج على تعقيم الجلد فيمنع التهاب القروح الناتجة عن الحكة، كما أنه يتبخر بسرعة بعد وضعه على الجلد، ما يعطي شعورًا بالبرودة ويقلل من الحكة، وعندما تصل البثور إلى مرحلة التقشر، فإن استعمال زيت الزيتون يساعد على تهدئة الجلد.
- يحظر غسل شعر المصاب أو أخذ حمام قبل سقوط القشور، علمًا أن هناك بعض الآراء التي تؤيد أن يأخذ المريض حمام ماء فاتر لتهدئة الحكة ومنع إنتان البثور، مع المواظبة على تغيير ملابس المريض.
- الأدوية المضادة للفيروسات، مثل الأسيكلوفير، تستخدم عادة لعلاج البالغين والأشخاص الذين لديهم ضعف في جهاز المناعة، وتستخدم بعد أن تبدأ أعراض جدري الماء بالظهور، ومن غير المعروف ما إذا كانت هذه الأدوية تقلل من فرص تعرض المريض لمضاعفات جدري الماء.
ما هي سبل الوقاية؟
يمكن الوقاية من الإصابة بمرض جدري الماء بواسطة تلقي اللقاح، وينصح بإعطاء جرعتين من اللقاح للأطفال الأصحاء الذين لم يصابوا بمرض جدري الماء بعد، وتؤخذ الجرعة الأولى بعمر ما بين 12 إلى 15 شهرًا، ثم تؤخذ الجرعة الثانية الداعمة بعمر ما بين 4 إلى 6 سنوات، كذلك من المحبذ أن يتلقى الأطفال الأكبر سنًا والبالغون الذين لم يصابوا بمرض جدري الماء ولم يتلقوا اللقاح جرعتين من اللقاح بفاصل 4-8 أسابيع للحصول على الوقاية الكاملة.
ننوه أنه في حالات نادرة قد يصاب أشخاص بمرض جدري الماء على الرغم من تلقيهم اللقاح، أو على الرغم من إصابتهم بجدري الماء من قبل، وفي مثل هذه الحالات تكون الإصابة الثانية أقل حدة وأخف وطأة، هذه الحالات تدعى “العدوى المنتشرة”.